مبدأ عدم التدخل في القانون الدولي

عالـم القانون
دراسات قانونية
عالـم القانون17 أغسطس 2020
مبدأ عدم التدخل في القانون الدولي
نور الدين بيدكان

يعد مبدأ عدم التدخل من المبادئ الأساسية التي قامت عليها الأمم المتحدة، حيث نص ميثاقها على ضرورة احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لها، وقد نصت الفقرة السابعة من المادة الثانية على أنه : ” ليس في هذا الميثاق ما يُسوِّغ ل “الأمم المتحدة” أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن هذا المبدأ لا يخلّ بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل الساب..” كما تؤكد الفقرتان الرابعة والسابعة من المادة الثانية على أن التدخل بالقوة المسلحة في الشؤون الداخلية للدول يتعارض و أسس الشرعية الدولية، حيث يحظر استخدام القوة إلا في حالة الدفاع عن النفس أو وفق تفويض مسبق من مجلس الأمن وضمن شروط محددة.
ومهما تعددت مظاهر التدخل سواء كان ذلك بسبب الحرب الأهلية أو دعوة الحكومة الشرعية أو حماية الرعايا الموجودين في الخارج أو الدفاع عن حقوق الإنسان أو لأي سبب آخر إلا أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نتحدث عن حق للتدخل ذلك أن الأصل هو عدم التدخل.
إن مبدأ عدم التدخل ليس مبدأ أساسي فقط من مبادئ القانون الدولي، ولكن هذا المبدأ له خلفية تاريخية مستقرة و مستمرة، حيث أنه تأكيد لسيادة الدول، كما يؤيد هذا المبدأ العديد من توصيات الجمعية العامة، خاصة التوصية رقم 2625، و من شأن إعمال هذا المبدأ التأكيد على تنمية علاقة الصداقة و التعاون بين الدول .
ويهدف هذا البحث إلى دراسة مبدأ عدم التدخل و أساسه القانوني، وكذلك الصياغة الجديدة لهذا المبدأ في ظل التطورات التي عرفها التنظيم الدولي ، والحالات المستثناة لإضفاء ثبوت المشروعية على التدخل ، والمتمثلة في التدخل في حالة الدفاع الشرعي و التدخل لحفظ السلم والأمن الدوليين، طبقا للفصل السابع من الميثاق، و تسليط الضوء على مبررات التدخل الدولي .
ويمكن تحديد إشكالية البحث في تساؤل رئيسي مفاده :
– إلى أي حد وفق المجتمع الدولي في احترام مبدأ عدم التدخل ؟
والتي تتفرع عنها التساؤلات الآتية:
ما هي القيمة القانونية لمبدأ عدم التدخل ؟
ما هي الصياغة الجديدة لمبدأ عدم التدخل ؟
و ما هي الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم التدخل ؟
ولغرض معالجة الإشكالية المطروحة، استدعى ذلك التركيز على مسألتين، المسألة الأولى تتعلق بالأساس القانوني لمبدأ عدم التدخل ، والمسألة الثانية، ترتبط بالاستثناءات الواردة على مبدأ عدم التدخل. وبذلك تمت صياغة التصميم التالي :
المحور الأول : الإطار القانوني لمبدأ عدم التدخل.
أولا : مبدأ عدم التدخل و أساسه القانوني.
ثانيا : الصياغة الجديدة لمبدأ عدم التدخل.
المحور الثاني : الاستثناءات الواردة على عدم التدخل.
أولا : التدخل في حالة الدفاع الشرعي.
ثانيا : التدخل لحفظ السلم و الأمن الدوليين.

المحور الأول : الإطار القانوني لمبدأ عدم التدخل.
يعد مبدأ عدم التدخل من المبادئ الأساسية التي قامت عليها الأمم المتحدة حيث نص ميثاقها على ضرورة احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية . و لاشك أن احترام مبدأ عدم التدخل هو أول الطريق الصحيح لتحقيق أهداف و مبادئ الأمم المتحدة، فاحترام هذا المبدأ يؤدي بدوره إلى إعلاء مبدأ السيادة و الحفاظ على السلم و الأمن الدوليين، و كل انتهاك لهذا المبدأ يشكل في حد ذاته تهديدا لحرية الدول وسيادتها واستقلالها السياسي وسلامتها الإقليمية وتنميتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مما يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر و يضفي جوا من التوتر على أجواء العلاقات الدولية.
أولا : مبدأ عدم التدخل و أساسه القانوني.
اختلف الفقهاء و الكتاب في تحديد مفهوم التدخل كاختلافهم في الكثير من المفاهيم والمبادئ القانونية و غير القانونية الأخرى، ذلك لأن تحديد مثل هذه المفاهيم ليس بالأمر الهين، لعلاقتها وارتباطها بالعديد من الأفكار و الفلسفات و المصالح المختلفة. وسنحاول في هذا إلقاء الضوء على مفهوم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والكشف عن الغموض الذي يكتنف هذا المفهوم واستعراض جملة من آراء الفقه الدولي التي حاولت تعريفه.
1 : مفهوم التدخل.
أثار مفهوم التدخل العديد من علامات الاستفهام، نظرا لأن كلمة التدخل في حد ذاتها تحمل بين طياتها الكثير من المترادفات التي يحاط بها سياج كبير من الغموض.
فالتدخل يمثل سلوكا أو عملا صادراً عن دولة أو منظمة دولية، يضرب كيان الدولة في عناصرها الأساسية مستهدفا من وراء ذلك انتهاك سيادتها و استقلالها.
وعلى ذلك أصبح من الصعب تحديد مدلول التدخل بشكل قاطع، فكيف لنا أن نحدد ماهية هذا السلوك الذي يمثل التدخل؟
وهنا تضاربت الآراء و تباينت الأفكار حول وضع تعريف محدد لمدلول التدخل، ولكي نستطيع الاقتراب و إلقاء الضوء على مفهوم التدخل، ينبغي في البداية أن نضع نصب أعيننا قاعدة هامة، مؤداها قابلية مدلول التدخل للتغيير والتطوير حسب المعطيات السياسية المطروحة على الساحة الدولية، و على ذلك فعندما نتحدث عن مدلول التدخل يجب عدم إغفال الجانب السياسي بمحاذاة الجانب القانوني، فمدلول التدخل يسير على قطبين، الأول القاعدة القانونية، والثاني المعطيات السياسية.
وبناءا على ذلك، فسوف نتعرف على مدلول التدخل من خلال الاتجاهات الثلاث الآتية:
أ – الاتجاه الأول – تحديد مفهوم التدخل من منظور ضيق.
يرى أنصار هذا الاتجاه العمل على التضييق من مفهوم التدخل، حيث يقتصر مفهوم التدخل في هذا الاتجاه على التدخل بالقوة و استخدام الوسائل القسرية، و من أنصار هذا الاتجاه في الفقه العربي محمد طلعت الغنيمي، حيث يرى أن التدخل هو تعرض دولة لشؤون دولة أخرى بطريقة استبدادية وذلك بقصد الإبقاء على الأوضاع الراهنة للأشياء أو تغييرها.
كما يرى محمد عبد الوهاب أن التدخل يعني عادة القيام بأعمال تؤثر في سيادة الدول الأخرى، وحقها في التصرف عن طريق التهديد بإحداث أضرار جسيمة في مصالحها الحيوية أو التورط في أعمال بصورة مباشرة أو غير مباشرة تدخل في الاختصاص الداخلي للدول فرادى، كما قد يعني أيضا الأنشطة المنظمة عبر الحدود المعترف بها بغرض التأثير على التركيب السياسي الداخلي بهدف إما تغيير هذا النظام أو دعم الأنظمة القائمة.
ومن أنصار هذا الاتجاه في الفقه الغربي Lauterpacht و الذي يرى أن التعبير عن التدخل يجب أن يؤخذ بالمعنى الضيق، و هو التدخل بالقوة، أي الفعل الذي ينطوي على إنكار لسيادة الدولة و استقلالها، وبعبارة أخرى أنه الطلب النهائي المصحوب بالقوة أو التهديد بها في حالة عدم الاستجابة إليه .
كما يرى الفقيه Oppenhiem أن التدخل يعني كل تدخل دكتاتوري لدولة أخرى بغرض المحافظة أو التغيير للوضع الفعلي للأمور.
ويرى الفقيه potter أن التدخل هو العمل الذي يتضمن استخدام القوة من جانب دولة أو عدة دول في شؤون دولة أو عدة دول أخرى، و هذا التدخل يمكن أي يشكل تهديدا ضمنيا بمباشرة ضغط أيا كانت درجته أو طبيعته .
كما يرى Stowell أن التدخل هو اللجوء إلى وسائل القوة الفعلية او التهديد باستخدامها بغرض إجبار الدول الأخرى على اتخاذ نمط معين في تصرفاتها، أو أن تضع حداً لأعمال العداء أو التصرفات الأخرى غير المرغوب فيها .
وإذا نظرنا إلى هذا الاتجاه الأول ، نرى أنه يضيق إلى حد بعيد من مفهوم التدخل، و حتى أنه قيده و حصره في صورة واحدة، وهي صورة التدخل القهري الذي يعتمد على القوة والقسر والإكراه و المقصود هنا هو التدخل في صورته العسكرية.
و على ذلك إذا سلمنا بهذا الاتجاه سنجد أنه لا يجوز اعتبار أي سلوك آخر يمس سيادة الدولة تدخلا طالما لم ينطوي هذا السلوك على أسلوب القوة و الإجبار و القهر، و هذا بالطبع أمر غير منطقي، فهناك العديد من الأعمال التي تعد تدخلا، بما لا يدع مجالا للشك، ولا تحتوي على أي أسلوب من أساليب القوة أو القهر ، و الدليل على ذلك التدخل الاقتصادي و الثقافي و العقائدي .
ب :الاتجاه الثاني – التوسع في تحديد مفهوم التدخل.
وعلى العكس من الاتجاه السابق، يرى أنصار هذا الاتجاه الأخذ بالمفهوم المطلق للتدخل حيث يطلقون لفظ التدخل على أي سلوك أو عمل يمس سيادة الدولة من قريب أو بعيد، حتى لو لم ينطوي على استخدام القوة.
ومن أنصار هذا الاتجاه في الفقه العربي علي صادق أبوهيف يرى أن التدخل هو تعرض دولة ما للشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى، دون أن يكون لهذا الغرض من التدخل هو إلزام الدولة المتدخل في أمرها بإتباع ما تمليه عليها الدولة المتدخلة في شأن من شؤونها الخاصة، لذا فمدلول التدخل في شكله المطلق يمثل تقييدا لحرية الدولة و اعتداء على سيادتها و استقلالها .
كما يرى عبد العزيز محمد سرحان أن التدخل في العلاقات الدولية، يقصد به حالة الدولة التي تسعى للتدخل في نطاق الاختصاص المطلق لدولة أخرى لمساعدتها في حل شؤونها الذاتية، أو القيام بذلك بدلا عنها، أو لإجبارها على اتخاذ حل معين يتم فرضه عليها .
ومن أنصار هذا الاتجاه في الفقه الغربي Goodrich و الذي يرى أنه يجب النظر إلى مفهوم التدخل من منظور واسع، حيث إن تعبير التدخل لا يجب أن يعطى مدلولاً ضيقا على الإطلاق، و هنا يلزم الأخذ بالمعنى العادي للتعبير ، فسلوك التدخل قد يأخذ أي شكل من الأشكال، فمجرد إنشاء لجنة تحقيق من جانب منظمة دولية أو اتخاذ قرارات ذات طابع إجرائي أو موضوعي أو إصدار أي قرار من القرارات الملزمة يعد من قبيل التدخل في شؤون الدول .
ويذهب الفقيه Damrosch في تحديد مفهوم التدخل إلى أبعد من ذلك، حيث يرى أن سلوك التدخل قد يكون في صورة ظاهرها تقديم المساعدة للدولة المستهدفة، و باطنها ينطوي على تدخل فعلي في شؤونها الداخلية ، و إحكام الرقابة و السيطرة على سياستها الخاصة .
ج :الاتجاه الثالث – الاتجاه التوفيقي لتحديد مفهوم التدخل
يقوم هذا الاتجاه على التوفيق بين الاتجاهين السابقين، و يميل أغلب الفقه إلى الأخذ بهذا الاتجاه الذي يرى أن التدخل العسكري أو غير العسكري، عن طريق استخدام القوة أو عن طريق أي وسيلة تمس سيادة الدولة و استقلالها، و يبدو هذا الاتجاه واقعيا و منسجما مع العلاقات الدولية في عالمنا المعاصر.
فنحن الآن نعيش في عالم تغيرت فيه المفاهيم الدولية، وأخذت العلاقات الدولية من خلاله منحى آخر، وكان من الطبيعي النظر إلى مدلول التدخل بشكل يختلف عن ذي قبل، فتقييم الطابع المشروع لكل تدخل رهين بمعرفة المعطيات و الملابسات المحيطة به، وكذا السمات العامة التي تميزه ، ومن هنا كان النظر إلى التدخل على أنه سلوك أو عمل صادر عن دولة تبحث عن التسلل داخل النطاق المقصور على دولة أخرى، بهدف يبدو ظاهره مساعدة الدولة على تنظيم شؤونها الخاصة بها، أو الحلول محلها وتنظيمها بدلا منها، أو تنظيمها بشكل معين حسب هوى ورغبة الدولة الأولى .
وهنا يمكن النظر إلى التدخل على أنه كل عمل إرادي على درجة من الجسامة يباشره شخص قانوني دولي بغية حرمان الدولة من التمتع بسيادتها و استقلالها . وكل هذا يقودنا إلى التساؤل عن الأساس القانوني لمبدأ عدم التدخل.

2 : الأساس القانوني لمبدأ عدم التدخل.
إن أول محاولة لإضفاء القوة القانونية على المبدأ كانت هي نظرية “مونرو” لوقف التدخل الأوروبي في شؤون القارة الأمريكية. وقد لقيت هذه النظرية وقت صدورها ترحيبا من قبل الدول الأمريكية لأنها شكلت عملا دفاعيا ضد كل تدخل أجنبي في شؤون الدول .
و قد سار التوجه الدولي و كذلك القانون الدولي المعاصر، بخطوات كبيرة باتجاه تقييد السيادة وجعلها نسبية لدرجة إنكارها في بعض الحالات التي تتطلبها صياغة مبادئ قانونية جديدة متلائمة مع ظروف العصر، و منها ما يتعلق بحقوق الإنسان و التعاون الدولي في العديد من المجالات. فقد كانت نظرية السيادة وحتى وقت قريب تشكل الأساس الذي تقوم عليه التنظيمات الدولية، و منها عصبة الأمم و هيئة الأمم المتحدة كذلك في بدايات تشكيلها. و كان يتم اللجوء إليها كلما دعت الحاجة لتفسير بعض المبادئ و النظم القانونية الدولية العامة .
يقوم أنصار نظرية السيادة بالربط بين مبدأ عدم التدخل و بين سيادة الدول و استقلالها. لذا فإن بعضا منهم يرى في التدخل اعتداء على سيادة واستقلال الدولة المتدخل في شؤونها . كون أنَّ تطبيق مبدأ عدم التدخل بشكل صحيح يعزز مبدأ سيادة الدول، ويضمن إرادتها الحرة المستقلة و يمنع الدول الأخرى من المساس بسيادتها .
و يرى آخرون منهم بأن مبدأ عدم التدخل يشكل نتيجة طبيعية و متلازمة لمبدأ المساواة في السيادة بين الدول، و بالتالي فلا يحق لدولة ما اللجوء لممارسة أية وسيلة، سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أو أية وسيلة جبرية أخرى، للاعتداء على حق دولة أخرى في التمتع و المحافظة على سيادتها أو النيل منها.
يتطلب الارتباط الوثيق بين مبدأ عدم التدخل و السيادة دراسة نظرية السيادة في القانون الدولي العام، و لو بشيء من الإيجاز، وذلك كجزء من دراسة و تحديد الأساس القانوني لمبدأ عدم التدخل.
فالسيادة فكرة قديمة قدم تكوُّن الدول، رغم عدم ذكر التسمية ، فوجودها بتسميات أو صور أخرى أو حتى بدون وجود تسمية، حقيقة لا تنكر، و يعود وضوح ظهورها وبمعناها الحديث إلى القرن السادس عشر ، كفكرة سياسية لأجل تقوية سلطة الدولة في الداخل تجاه نفوذ الإقطاع. و في الخارج ، للتحرر من سلطة الكنيسة .
ﻭﺍﻨﻁﻼﻗﺎ ﻤﻥ ﻤﺒﺩﺃ ﺴﻴﺎﺩﺓ الدولة التي ﺘﺘﺠﺫﺭ ﻓﻲ ﺍﺭﺘﺒﺎﻁﻬﺎ ﺒﻔﻜﺭﺓ الاختصاص ﺍلإﻗﻠﻴﻤﻲ ﻴﺄﺘﻲ المبدأ المصاحب ﻭالمكمل لسيادة الدولة ﻭﻫﻭ ﻤﺒﺩﺃ ﻋﺩﻡ التدخل، ﻏﻴﺭ ﺃﻥ القضية الجوهرية ﺘﺒﻘﻰ ﻤﻌﺭﻓﺔ ﻤﺎ ﻫﻲ “الشؤون التي ﺘﻜﻭﻥ ﻤﻥ ﺼﻤﻴﻡ السلطان الداخلي والتي ﻴﻌﺒﺭ ﻋﻨﻬﺎ ﺃﻴﻀﺎ ﺒالمجال المحفوظ، ﻭلتحديده ﻓﻘﺩ ﺴﻠﻙ الفقه الدولي ﺍﻷﻜﺜﺭ ﻨﻔﻭﺫﺍ ﻜﻤﻌﻬﺩ القانون الدولي ﺃﺴﻠﻭﺒﺎ ﺒﺴﻴﻁﺎ ﻭ ﻓﻌﺎﻻ لتحديده ﻋﻨﺩﻤﺎ ﻋﺭﻓﻪ ﺒﺄﻨﻪ : ” ذلك الذي ﺘﻜﻭﻥ ﻓﻴﻪ ﺃﻨﺸﻁﺔ الدولة ﺃﻭ ﺍﺨﺘﺼﺎﺼﺎﺘﻬﺎ ﻏﻴﺭ ﻤﻘﻴﺩﺓ بالقانون الدولي “. ﻭﻴﻨﺘﺞ ﻋﻥ ﻫﺫﺍ التعريف مسألة ﻓﻲ ﻏﺎﻴﺔ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ، ﻭﻫﻲ ﺃﻥ المجال الخاص للدولة ﻴﺘﻘﻠﺹ ﻜﻠﻤﺎ ﺘﻭﺴﻌﺕ التزامات ﺫﺍﺕ ﻁﺒﻴﻌﺔ ﺘﻌﺎﻗﺩﻴﺔ ﺃﻭ ﻋﺭﻗﻴﺔ.
ﻭﺒﺯﻴﺎﺩﺓ التعاون الدولي فإن المجال الخاص للدول ﻴﺘﻘﻠﺹ ﺒﺎﺴﺘﻤﺭﺍﺭ ﻜﻠﻤﺎ ﺍﻨﺨﺭﻁﺕ الدول ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺕ ﻤﻨﻅﻤﺔ ﻗﺎﻨﻭﻨﻴﺎ ﻤﻊ ﺍلأﺸﺨﺎﺹ ﺍﻵخربن ﻓﻲ المجتمع الدولي، كالتزامها بالاتفاقيات المتعددة الأطراف ﺴﻭﺍﺀ ﻓﻴﻤﺎ ﻴﺘﻌﻠﻕ ﺍﻷﻤﺭ ﺒﺤﻘﻭﻕ الإنسان ﺃﻭ ﺤﻔﻅ السلام ﺃﻭ ﺘﺤﻘﻴﻕ ﻤﺒﺎﺩﺉ الاعتماد المتبادل، ﻭﻋﺎﺩﺓ ﻤﺎ ﺘﻜﻭﻥ الدولة ﻤﻀﻁﺭﺓ ﺒﻤﻘﺘﻀﻰ التزامها إلى التنازل ﻋﻥ ﺒﻌﺽ الاختصاصات التي ﻜﺎﻨﺕ ﺘﻨﺩﺭﺝ ﺴﻠﻔﺎ ﻀﻤﻥ المجال المحفوظ ، وذلك لفائدة ﻤﺅﺴﺴﺎﺕ دولية ﺃﻭ ﺘﻨﻅﻴﻤﺎﺕ ﺇﻗﻠﻴﻤﻴﺔ، ﻭﻫﻲ ﻓﻲ ﻫﺫﻩ الممارسات ﻻ ﺘﻨﻘﺹ ﻓﻲ الواقع ﻤﻥ ﺴﻴﺎﺩﺘﻬﺎ ﺒﻘﺩﺭ ﻤﺎ ﺘﻌﺒﺭ ﻋﻥ ﺘﻠﻙ السيادة .
ثانيا : الصياغة الجديدة لمبدأ عدم التدخل
يعد مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول من المبادئ الأساسية في القانون الدولي، كما يعد نتيجة منطقية لمبدأ المساواة في السيادة بين الدول، لأنه يؤكد على احترام سيادة الدولة و استقلالها السياسي، و يرمي إلى كفالة حق الشعوب في اختيار نظمها السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية وفقا لإرادتها الحرة، و بما يحقق مصالحها و أهدافها المشروعة، و ذلك من خلال منع الدول الأخرى من التدخل في شؤونها الداخلية أو الخارجية، كما يعد مبدأ عدم التدخل من أهم الأسس التي ينهض عليها الالتزام الدولي بمكافحة جرائم إرهاب الدولة، حيث أن الجرائم الإرهابية التي ترتكبها بعض الدول، أو تشجع على ارتكابها ضد غيرها من الدول، تمثل تدخلا غير مشروع في الشؤون الداخلية للدول المعتدى عليها.
و مما لاشك فيه أن احترام الجماعة الدولية لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول سوف يؤدي بالضرورة إلى الحد من ارتكاب هذه الجرائم. إلا أن الحرب على الإرهاب بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 اتخذت طابعا جديدا يتمثل في التدخل العسكري الجماعي من قبل قوات تنتمي إلى دول التحالف العسكري المناهض للإرهاب، وهو ما يعني في الواقع اعتماد صياغة جديدة لمبدأ عدم التدخل العسكري .

1 : مبدأ عدم التدخل في قرارات الأمم المتحدة.
تضمن ميثاق الأمم المتحدة النص على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، باعتباره من المبادئ الأساسية التي يقوم عليها، والتي يتعين على المنظمة الدولية أن تراعيها في ممارسة أوجه نشاطاتها المختلفة، و الواقع أن حضر التدخل له ارتباط وثيق بمبدأ التسوية السلمية للمنازعات، ومبدأ عدم اللجوء إلى القوة و كذلك مبدأ المساواة في السيادة سواء أكان هذا الارتباط شكليا أو موضوعيا.
فالارتباط الشكلي بين هذه المبادئ يتجلى من خلال تضمينها كلها في فصل واحد وهو الفصل الأول من الميثاق، و الذي جعل من احترامها و الالتزام بها ضمانة من الناحية النظرية لتحقيق أهداف المنظمة و مقاصدها.
أما الارتباط الموضوعي فيبرز بالأساس من خلال العناصر المكونة لهذه المبادئ ذلك أن كثيرا من العناصر التي يتضمنها مبدأ عدم التدخل، نجدها متضمنة في مبدأ عدم اللجوء إلى القوة، و كذلك مبدأ تقرير المصير. كما أن هذا الارتباط كرسه بشكل صريح وواضح قرار الجمعية العامة رقم 2625 عندما أشار في الجزء الخاص بالأحكام ، بأن المبادئ السالف ذكرها في تفسيرها و تطبيقها، تعد مرتبطة بعضها بالبعض و أن كل مبدأ يجب أن يفسر على ضوء المبادئ الأخرى.
و في اتجاه تأكيد و تكريس مبدأ عدم التدخل باعتباره من المبادئ الأساسية التي ينهض عليها القانون الدولي المعاصر توالت الجهود الدولية في هذا الإطار من خلال آليات قانونية متعددة أهمها الجمعية العامة. حيث أصدرت هذه الأخيرة في عام 1949 قرارها رقم 290 بشأن العناصر الأساسية للسلام، الذي تضمن في فقرته الثالثة النص على أنه “يجب على كل دولة الامتناع عن كل تهديد أو تصرف مباشر أو غير مباشر يرمي إلى التأثير على حرية أي دولة أو استقلالها أو وحدة أراضيها، أو يثير فيها القلاقل المدنية أو يؤدي إلى التأثير على إرادة الشعب في أي دولة” . بالتالي لعبت قرارات الجمعية العامة دورا بارزا في رفض الكثير من أشكال التدخل و اللجوء إلى القوة بمختلف صورها .
وقد أبرزت ممارسات الأمن الجماعي منذ بداية التسعينات، اتساع سلطات مجلس الأمن وتوسع مفهوم تهديد السلم ونطاقه، ليمتد إلى مجالات لم تكن داخلة في إطاره أصلا، كما تبرز أيضا الانتقائية والازدواجية في تحديد أولويات التدخل أو عدم التدخل واتخاذ تدابير الفصل السابع.
ويعد بيان رئيس مجلس الأمن، والذي جاء معبرا وجامعا لكل آراء المجتمعين على مستوى القمة في مجلس الأمن بتاريخ 31 /01/ 1992، البداية الحقيقية لتوسع السلطة التقديرية لمجلس الأمن، إذ أصبح بموجبه المجلس يعطي لنفسه صراحة سلطة التدخل في مجالات ومسائل،لم تكن مجالا للتدخل من قبل مثل المراقبة والإشراف على الانتخابات، وحماية حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، والتدخل في المجالات الإنسانية و مسائل اللاجئين، وكذلك التدخل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ومحاربة الإرهاب الدولي والحد من أسلحة الدمار الشامل، باعتبار أن عدم الاستقرار في هذه الميادين يشكل تهديدا خطيرا للسلم والأمن الدوليين .
و كما أن مجلس الأمن يتمتع بسلطة واسعة في فرض الجزاءات الدولية، فله الحرية في اللجوء إلى إصدار مجرد توصيات أو تبني قرارات ملزمة تتضمن التدابير التي يتخذها المجلس، فهذا الأخير غير ملزم بمراعاة التدرج الوارد في المواد من39 إلى 42 من الميثاق، بالإضافة إلى سلطته في فرض جزاءات غير منصوص عليها في الميثاق. وفي هذا الإطار فقد لجأ مجلس الأمن إلى فرض جزاءات جنائية على دول انتهكت حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بإنشاء المحاكم الجنائية الخاصة بيوغسلافيا ورواندا، استنادا إلى نظرية التفسير الموسع للميثاق أو نظرية الاختصاصات الضمنية، كما أقر التدخل الدولي الإنساني والديمقراطي بموجب الفصل السابع وذلك لحماية حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية، وهو الوضع الذي عرف تطبيقا له في العراق، الصومال، هايتي..، وذلك للحفاظ على النظام العام الدولي، و سعيا من المجلس لمواجهة طبيعة النزاعات الدولية التي يشهدها المجلس الدولي المعاصر.
لهذا فأن تخويل مجلس الأمن سلطات تقديرية لتكييف الحالات المهددة للسلم، بالإضافة إلى السلطة الواسعة في فرض الجزاءات واتخاذ الإجراءات التي يراها ضرورية لإعادة السلم إلى نصابه، من شأنه أن يضع مجلس الأمن أمام ازدواجية في المعايير أثناء تعامله مع القضايا الدولية، وهو ما أكدته الممارسة الدولية في ظل هيمنة بعض الدول الدائمة العضوية على المجلس، وتوجيهه تبعا لسياستها ووفق ما تقتضيه مصالحها السياسية والإستراتيجية، لاسيما أنه كثيرا ما تتغلب الاعتبارات السياسية على الاعتبارات القانونية في تحديد طبيعة العمل بوصفه يهدد السلم ويخضع من ثم لسلطات المجلس.
ومن جهة أخرى أصبح مجلس الأمن يلعب دورا كبيرا في محاربة التهديدات الجديدة للسلم والأمن الدوليين، هذا الدور جعل المجلس يظهر كمشرع دولي يقوم بإصدار قرارات بموجب الفصل السابع في شكل معاهدات دولية، وهو ما تبين من خلال القرارين 1373 (2001) و 1540 (2004) والمتعلقين بمحاربة الإرهاب الدولي والحد من أسلحة الدمار الشامل.

2 : المفهوم الجديد لمبدأ عدم التدخل.
ما من شك في أن التطور الدولي أثبت عدم ملائمة مبدأ عدم التدخل بصيغته التقليدية المطلقة للمتغيرات الدولية الجارية، ولذلك جاءت الممارسة الدولية حافلة بالعديد من المظاهر التي تعكس في مجملها تراجعا لهذا المبدأ، فبعد أن كان الموقف الأولي يدعو إلى عدم التدخل، حدث تحول في الموقف الحالي الذي انتشر فيه التدخل بين الفاعلين الدوليين، و أصبح التدخل الآن هو القاعدة .
وإذا كانت مراجعة المبدأ في صيغته الصارمة أضحى أمرا ضروريا في زمن العولمة، فإن تكييف هذا المبدأ مع الواقع الدولي المتغير، أضحت تتجاذبه مصالح وأولويات عالمية من جهة ومصالح انفرادية ضيقة من جهة أخرى.
فعلى صعيد الأمم المتحدة وموازاة مع التطورات الدولية، وبالنظر إلى السلطات المهمة المخولة لمجلس الأمن في تكييف الحالات الموجبة للتدخل، بناء على مقتضيات المادة 39 من الميثاق والتي تسمح له بالتدخل بناء على سلطات تقديرية واسعة تخضع في أغلب الأحيان لمصالح الدول الكبرى ، فإن هذا الجهاز تمكن من إصدار مجموعة من القرارات التي تؤسس لنوع جديد من المقاربات التي تمهد لتجاوز المفاهيم التقليدية لمبدأ عدم التدخل، بحيث دشن بداية التسعينيات بإصداره لمجموعة من القرارات التي تجسد في مجملها تعاملا جديدا مع المشاكل والأزمات الدولية في علاقته بمبدأ عدم التدخل .
فبتاريخ 05/04/1991 أصدر المجلس قراره رقم 688 بالشأن العراقي جاء فيه: “إن المجلس منزعج مما يتعرض له المدنيون العراقيون من قمع في أماكن متعددة في العراق وفي المنطقة التي يسكنها الأكراد ، مما أدى إلى نزوح مكثف للاجئين نحو الحدود أو حتى عبورهم الحدود وأدى ذلك إلى حدوث بعض الصدامات الحدودية مما يهدد السلم والأمن الدوليين”، كما طالب القرار من العراق وقف هذا القمع فورا، وإقامة حوار مفتوح لكفالة احترام حقوق الإنسان والحقوق السياسية للجميع، مع السماح بوصول المنظمات الإنسانية الدولية، وقد شكل هذا القرار نقطة تحول ثورية جديدة في مسار المجلس.
وفي 31/03/1992 أصدر المجلس قراره رقم 748 بخصوص ليبيا جاء فيه: “إيمانا من المجلس بأن قمع أي عمل إرهابي دولي يعد أمرا ضروريا للحفاظ على السلم والأمن الدوليين”. وهذا بدوره قرار من نوع جديد أضاف من خلاله المجلس عاملا جديدا لتهديد السلم والأمن الدوليين.
كما أصدر المجلس قراره رقم 794 بتاريخ 03/02/1993 بشأن الأزمة الصومالية، معتبرا فيه: ” أن حجم المأساة الإنسانية الناتجة عن النزاع في الصومال مما يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين”. وفي هذا القرار كذلك يلاحظ أن المجلس ولأول مرة منذ إنشاء الأمم المتحدة سنة 1945، يعطي تفويضا رسميا لقوات من دول أعضاء في المنظمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، للتدخل عسكريا في دولة أخرى لم تطلب هذا التدخل، وذلك لإنقاذ مواطنيها من الموت جوعا. ودعا إلى استخدام كل الوسائل لإيجاد بيئة آمنة لعمليات الإغاثة الإنسانية ومنع الصومال من “الانتحار الجماعي” .
وأمام الاستياء والتحفظ اللذين أبدتهما بعض الدول وخصوصا النامية منها بعد قيام تحرك دولي بهذا الخصوص تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، صرح “بطرس غالي” الأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة: ” إننا في مواجهة وضعية جديدة غير منصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة.” وقد كانت مبررات المجلس في هذه الحالة هي غياب حكومة شرعية في الصومال التي انهارت فيها الدولة بسبب تفاقم النزاعات الداخلية الدامية.
كما أصدر المجلس قراره رقم 940، يجيز فيه التدخل العسكري في هاييتي، فاستنادا إلى الفقرة الرابعة من هذا القرار: “فإن مجلس الأمن يجيز للدول الأعضاء إنشاء قوات متعددة الجنسيات تكون تحت قيادة ومراقبة موحدة، لإعطاء الوسائل الممكنة لتسهيل رحيل النظام العسكري وعودة الحكومة الشرعية”. وهذه هي المرة الأولى التي يقضي فيها المجلس باستعمال القوة من أجل إعادة نظام منتخب ديمقراطيا، وهي بدورها من المهمات الجديدة التي أصبح يباشرها المجلس بعد اعتباره للوضعية في هاييتي شكلا من أشكال تهديد السلم والأمن الدوليين.
وأمام هذا التوسع المطرد في مجالات تدخل المجلس أبدت الكثير من الدول الضعيفة تخوفها وقلقها من أن يتحول الجهاز من آلية مسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين، إلى جهاز للاعتداء على الشعوب والدول بناءا على خلفيات ضيقة.
وكرد فعل على هذه التخوفات واستجابة للتحديات التي واجهها المجتمع الدولي في العديد من حالات التدخل، طلب الأمين العام السابق “كوفي أنان”، من أعضاء المنظمة بلورة تصور مشترك بين كافة الدول حول التدخل الإنساني، وذلك في سياق التوفيق بين سيادة الدولة وسيادة الشعب، واستجابة لذلك، قام وزير خارجية كندا بتشكيل “لجنة دولية للتدخل وسيادة الدول” تضم عدة شخصيات (رؤساء دول ورؤساء وزراء سابقين وممثلين عن الأمم المتحدة..) وقد أصدرت هذه اللجنة تقريرها بتاريخ 18 ديسمبر 2001 أكدت فيه على ثلاث مبادئ أساسية :
الأول: هو استخدام مفهوم “المسؤولية الدولية للحماية” بدل “التدخل الإنساني” لتجنب ما قد يثيره التعبير الأخير من مخاوف السيطرة والهيمنة.
والثاني: يتعلق بوضع مسؤولية الحماية على المستوى الوطني في يد الدولة الوطنية، وعلى المستوى الدولي تحت سلطة مجلس الأمن.
أما المبدأ الثالث : فيركز على أن عملية التدخل لأغراض “الحماية الإنسانية” يجب أن تتم بجدية وكفاءة وفاعلية. كما أكد التقرير على أن أنه إذا اتضح برغم ذلك أن الدولة المعنية غير قادرة أو غير راغبة في حماية مواطنيها، أو أنها هي نفسها الجاني والمتسبب فيما يتعرض له المواطنون من عنف وأضرار، ففي هذه الحالة يجب أن تنتقل المسؤولية إلى الأسرة الدولية ممثلة في مجلس الأمن، وانتهى التقرير إلى أن التدخل العسكري لأغراض “الحماية الإنسانية”، يجب أن ينظر إليه على أنه حالة خاصة واستثنائية لمواجهة ضرر إنساني أصبح وشيك الحدوث، أي أن التدخل العسكري ينبغي ألا يحدث إلا كخيار اضطراري أخير.
وبناءا على ما سبق، يتضح لنا أن “مبدأ عدم التدخل” هو مبدأ أساسي يشكل قاعدة آمرة في العلاقات الدولية أما التدخل فهو ممارسة سياسية عادية، هي في أغلب الأحيان غير مشروعة، أما إذا أردنا إيجاد تعريف له يمكننا أن نقول أنه يعني بصفة عامة، ممارسة ضغط من طرف دولة أو مجموعة من الدول على دولة أخرى بقصد فرض إرادة خارجية عليها دون أن يكون لذلك سند قانوني، و انطلاقا من هذا التعريف تتضح لنا عدم مشروعية التدخل، وتناقضه مع مبدأ عدم التدخل وحظر استعمال القوة، التي هي بمثابة قواعد آمرة تسري في حق كل أشخاص المجتمع الدولي بما فيهم الدول، وكذلك المنظمات الدولية باستثناء ما جاء في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يقتضي تطبيق تدابير الأمن الجماعي، التي تتخذ عادة عند تهديد السلم أو الإخلال به أو وقوع العدوان .

المحور الثاني : الاستثناءات الواردة على مبدأ عدم التدخل.
من المعلوم أن عملية التدخل الدولي بصفة عامة أثارت جدلا كبيرا بين الدول و الفقه و القضاء الدوليين، ذلك لأن تعريف التدخل الدولي و مدى مشروعيته كان و مازال محل خلاف و شك من جانب العديد من الدول ، و هذا الخلاف و ذلك الشك تأثر إلى حد كبير بالأحداث و التطورات الدولية، سواء فيما يتعلق بتلك التي قبل الأمم المتحدة، أو بعد قيامها . خاصة في الفترة التالية على انتهاء الحرب الباردة 1990. حيث أنها تعد بحق الفترة التي شهدت العديد من صور التدخل الدولي في العديد من النزاعات سواء من قبل بعض الدول أو بعض المنظمات الدولية ، و هو ما أثار العديد من التساؤلات بين الدول و الفقه حول مشروعية التدخل .
إن المبدأ العام هو عدم مشروعية التدخل في الشؤون الداخلية أو الخارجية للدول ، ولكن لكل قاعدة استثناء ، و هناك بالفعل حالات استثنائية يرتدي فيها التدخل ثوب المشروعية طبقا لميثاق الأمم المتحدة، مع أن واقع الممارسة الدولية، في ارتباطها بمبدأ عدم التدخل يتجه نحو قلب المعادلة التقليدية، أي تحويل الاستثناءات الواردة على المبدأ الأصلي إلى قاعدة عامة .
و بالنظر إلى ميثاق الأمم المتحدة، باستقراء نصوصه، يتبين أن نطاق مشروعية التدخل في الأحوال المسموح بها كاستثناء على مبدأ عدم التدخل، يتمثل في حالتين، أولهما التدخل في حالة الدفاع الشرعي ، و ثانيهما حالة التدخل من جانب الأمم المتحدة لحفظ السلم و الأمن الدوليين طبقا للفصل السابع من الميثاق، و يطلق على الحالتين معا حالتي التدخل المشروع في ظل ميثاق الأمم المتحدة .

أولا – التدخل في حالة الدفاع الشرعي
يكون التدخل مشروعا، إذا ما ارتكز على حق الدفاع الشرعي، الذي نصت عليه المادة الحادية والخمسون من ميثاق الأمم المتحدة ، إلا أن هذا الحق أسيئ استعماله، فنجد بعض الدول تحاول دائما استغلال حق الدفاع الشرعي من أجل التدخل في الشؤون الداخلية للدول .
ويقصد بالدفاع الشرعي لجوء الدولة أو الدول التي يقع عليها العدوان إلى استخدام القوة لدفع الضرر الواقع عليها دفاعا عن وجودها وكيانها، والدفاع الشرعي حق تقرره سائر الشرائع لمن يقع عليه اعتداء لأنه ببساطة يتفق مع طبيعة الأشياء ، فهو حق مسلم به في سائر النظم القانونية ، ومن ثم فمن الطبيعي أن يجد فرصة للتواجد في نطاق القانون الدولي باعتباره حقا طبيعيا يعطى للمعتدى عليه رخصة استعمال القوة الدفاعية في مواجهة القوة الهجومية .
وقد خص ميثاق الأمم المتحدة حالة الدفاع الشرعي بالمادة الحادية والخمسين، والتي جاء فيها أنه “ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات ، في الدفاع عن أنفسهم إذ اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس – بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة من أحكام هدا الميثاق – من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادته إلى نصابه .
وباستقراء نص المادة (51) من الميثاق نجد أن لها مبررها القوي، إذ لا يمكن أن تترك الدولة ضحية العدوان دون تدخل أو انقاد حتى تتمكن الأمم المتحدة من نجدتها، فالاعتبارات التي بررت الأخذ بحق الدفاع الشرعي في القانون الدولي، ومن تم فإن عدم النص على هذا الحق في الميثاق لم يكن ليمنع الدول ضحية العدوان أن تدافع عن نفسها، فحق الدفاع الشرعي ليس مستمدا من الميثاق ولكنه أسبق من وجود الميثاق، وينبع من طبيعة الأشياء التي تحتم في بعض الأحيان التدخل للحفاظ على كيان الدولة .
والاستثناء الوارد بالمادة (51) من الميثاق أعطى الحق للدول في القيام بالدفاع عن نفسها عند تعرضها لعدوان مسلح، دون أن يشكل ذلك مخالفة للحظر الوارد بالمادة (2/4) الخاص بعدم جواز استخدام القوة في العلاقات الدولية ، أو المبدأ الوارد بالمادة (2/7) الخاص بعدم جواز التدخل في شؤون الدول ، والدليل على ذلك الوضوح التام الذي ظهر عليه صدر المادة (51) من الميثاق حيث جاء فيه وبعبارة قاطعة (ليس في هذا الميثاق ) أي ليس في المادة (2/4)، أو المادة (2/7)، أو غيرها من النصوص، ما يتناقض مع حق الدفاع الشرعي .
وقد ظهر حق الدفاع الشرعي باعتباره “صمام أمان”، يعطى الدول الحق في التدخل بشكل فردي أو جماعي من أجل ضمان أمنهم الخاص , فالمادة (51) هي أداة للخروج من الطريق المسدود الذي قد يصل إليه مجلس الأمن بسبب الخلاف بين أعضائه فالدول المعتدى عليها لا يمكنها أن تقف موقف المتفرج وإنما عليها التدخل واستعمال القوة ولكن بطريقة تغلفها المشروعية في هذه الحالة.
وقد وضع القانون الدولي معايير منضبطة، لكي يحول بها دون إساءة استعمال حق الدفاع الشرعي، لكونه استثنائي لا يجوز التوسع في استخدامه، وذلك إعمالا لقاعدة أن الاستثناء يفسر تفسيرا ضيقا ولا يجوز التوسع في تطبيقه، لذا لم يجز ميثاق الأمم المتحدة مباشرة الدفاع الشرعي إلا في حدود ضيقة للغاية تمثل في حد ذاتها ضوابط مقننة لممارسة ذلك الحق .
 : ضوابط ممارسة الدفاع الشرعي وفقا للمادة 51 من الميثاق.
وحتى تكون حالة الدفاع الشرعي في إطار من المشروعية الدولية، لا بد من توافر هذه الضوابط التي يستحيل في غيابها إضفاء ثوب المشروعية على تلك الحالات وتتمثل تلك الضوابط في النقاط الآتية:
• وقوع عدوان مسلح حال على إقليم الدولة:
يفترض بدايةً لممارسة الدولة لحق الدفاع الشرعي وقوعها مسبقا ضحية لعدوان مسلح، حتى يمكنها التدخل والخروج على التزامها العام بالامتناع عن اللجوء إلى استخدام القوة في علاقاتها الدولية.
• تقييد ممارسة حق الدفاع الشرعي من حيت المدة حتى يتدخل مجلس الأمن:
تمارس الدولة المعتدى عليها حقها في الدفاع الشرعي، “وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين”، ويرجع هدا القيد إلى حرص واضعي الميثاق على جعل استخدام القوة في حالة الدفاع الشرعي أمرا مؤقتا، وألا يكون بديلا لإجراءات الأمن الجماعي التي يتخذها مجلس الأمن لإعادة السلم إلى نصابه، وذلك باعتبار أن مجلس الأمن هو الجهاز الذي له الاختصاص الرئيسي في هذا الشأن، تطبيقاً للمادة 24 من الميثاق ونصوص الفصل السابع منه .
• عدم تجاوز الحد اللازم لرد العدوان عند ممارسة الدفاع الشرعي:
للدولة الحق في ممارسة الدفاع الشرعي وذلك لرد العدوان، بشرط أإلا تتجاوز حدود الدفاع الشرعي، حيث يجب أن تكون معقولة بحدود ضرورة الحماية، ومتناسبة مع حجم الخطر.
• خضوع الدفاع الشرعي للرقابة اللاحقة لمجلس الأمن:
استثنت المادة (51)من الميثاق حالة الدفاع الشرعي من الرقابة السابقة لمجلس الأمن ، غير أن ذلك الأمر لا يعني تحرر تلك الدول من الرقابة اللاحقة لمجلس الأمن، إذ تلزم المادة (51) ذاتها الدول التي تباشر حقها في الدفاع الشرعي بإبلاغ المجلس فورا بكافة التدابير التي اتخذتها بمناسبة مباشرتها لتلك الرخصة، وذلك من أجل قيام مجلس الأمن باتخاذ الإجراءات اللازمة، و حتى يتسنى للمجلس النهوض باختصاصاته الأصيلة التي أعطاها له الميثاق بغية إعادة السلم والأمن الدوليين إلى نصابهما .
2 : صور الدفاع الشرعي.
سمحت المادة (51) من الميثاق للدول أن تمارس حق الدفاع الشرعي فرادى وجماعات، وإذا نظرنا إلى الدفاع الشرعي، في مجتمعنا الدولي نجد أنه بمثابة عملة واحدة لها وجهان أحدهما يمثل الدفاع الشرعي في صورته الفردية والآخر في صورته الجماعية.
• الدفاع الشرعي الفردي
من الممكن أن يمَارس الدفاع الشرعي بصورة فردية، وذلك باتخاذ الدولة المعتدى عليها وحدها التدابير اللازمة لدرء العدوان، مستعينةً بكافة الوسائل والأسلحة المناسبة دفاعا عن سلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي، بقصد منع أو وقف العدوان المسلح غير المشروع والحيلولة بينه وبين تحقيق أهدافه.
وفي هذه الصورة تأخذ الدولة المعتدى عليها على عاتقها وحدها مهمة الدفاع عن ذاتها وكيانها ضد العدوان الواقع عليها ، وقد اعترف ميثاق الأمم المتحدة بحق الدفاع الشرعي الفردي باعتباره حقا طبيعيا مكفولا لكل دولة على الساحة الدولية طالما توافرت ضوابطه وشروطه.
• الدفاع الشرعي الجماعي
يتمثل الدفاع الشرعي الجماعي في قيام أكتر من دولة بينهم اتفاق أو معاهدة دفاع مشترك أو معاهدة مساعدة متبادلة، أو معاهدة تحالف، برد العدوان المسلح الذي يقع على إحدى هذه الدول، شريطة أن يكون هناك نص في معاهدة الدفاع المشترك يَعتبر العدوان الواقع على إحدى هذه الدول كما لو كان عدوانا عليها جميعا .
ومعيار التفرقة بين صورتي الدفاع الفردي والجماعي تتلخص في أنه في حالة الدفاع الشرعي الفردي يفترض أن تكون الدولة المستخدمة لرخصة الدفاع الشرعي هي ذاتها الدولة المعتدى عليها، بينما في حالة الدفاع الشرعي الجماعي لا يفترض في الدولة المستخدم لرخص الدفاع الشرعي أن تكون بذاتها الدولة المعتدى عليها، إذ أن الدول التي تختار طواعية ممارسة رخصة الدفاع الشرعي الجماعي هي دول تقع عند وقوع العدوان خارج النطاق الجغرافي لسريان العمليات العسكرية .
كما يمكن أن تتضامن بعض الدول مع الدولة المعتدى عليها، وتتحقق حينئذ صورة الدفاع الشرعي الجماعي دون وجود اتفاق تضامن مسبق، ويحدث ذلك عندما تطلب الدولة المعتدى عليها المعاونة من الدول الأخرى، ويلبى حين ذلك طلبها، أو توصى الأمم المتحدة بمساعدتها .

ثانيا : التدخل لحفظ السلم و الأمن الدوليين.
بالإضافة إلى الحالة الأولى للتدخل التي استظلت بالحماية و المشروعية في ظل ميثاق الأمم المتحدة، نجد تدخل الأمم المتحدة للحفاظ على السلم و الأمن الدوليين ، ذلك الهدف الذي يعد و بحق أحد الأهداف الأساسية التي قامت من أجلها منظمة الأمم المتحدة، و لعلنا نرى ذلك بوضوح من خلال ديباجة ميثاق المنظمة الموقع عليه في 26 من يونيو عام 1945 بسان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية ، حيث نص واضعوا الميثاق آنذاك على أنه ” في سبيل الغايات التي نص عليها هذا الميثاق فإننا نأخذ أنفسنا بالتسامح و أن نعيش معا في سلام و حسن جوار، وأن نوحد قوانا كي نحتفظ بالسلم و الأمن الدوليين “.
و منذ تلك اللحظة أصبح الحفاظ على السلم و الأمن الدوليين أحد المبادئ القانونية الأساسية التي يقوم عليها النظام الدولي .
فعندما يحدث انتهاك للسلم و الأمن الدوليين يصبح تدخل الأمم المتحدة مشروعا، وذلك على سبيل الاستثناء و خروجا على القاعدة العامة المقررة لتحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم مشروعيته ، و قد تقرر هذا الاستثناء لمصلحة المجتمع الدولي بأسره و ليس لمصلحة دولة معينة أو مجموعة من الدول .
و بالنظر إلى المادة 2 الفقرة7 من ميثاق الأمم المتحدة، التي نصت صراحة على مبدأ عدم التدخل، نجد أنها قد حملت بين طياتها الإقرار بمشروعية الاستثناء الوارد على هذا المبدأ .
و ظاهر من نص المادة، أن المبدأ العام هو عدم مشروعية التدخل، ولكن القانون الدولي قد سمح على سبيل الاستثناء بالتدخل، و أضفى عليه ثوب المشروعية في حالة انتهاك السلم و الأمن الدوليين و تعرضهما للخطر.
فهناك استثناء هام على مبدأ عدم التدخل، مقتضاه أن تطبيق المبدأ يجب ألا يخل بتدابير القمع الواردة في الفصل السابع من الميثاق، و الغرض من ذلك يتمثل في إعطاء الأمم المتحدة ممثلة في مجلس الأمن قدرا أكبر من الحرية في تطبيق و اتخاذ الإجراءات اللازمة في حالات تهديد السلم والأمن، أو الإخلال به أو وقوع العدوان، حتى و لو كان تطبيق هذه الإجراءات يعد في حد ذاته تدخلا في الشؤون الداخلية للدول.
1 : التدخل استنادا إلى نظام الأمن الجماعي طبقا للفصل السابع.
يطلق على تدخل الأمم المتحدة للحفاظ على السلم و الأمن الدوليين ” نظام الأمن الجماعي ” ، و يقصد بالأمن الجماعي تركيز استخدام القوة في العلاقات الدولية بيد مجلس الأمن نائبا عن الجماعة الدولية، و قد يقوم بهذه المهمة وحده ، و قد يكلف المنظمات الإقليمية للقيام بها داخل نطاق إقليمي معين تحت رقابته و إشرافه إذا ما كانت المنظمة الإقليمية أقدر على القيام بتلك المهمة.
و الأمن الجماعي هو الوظيفة الأساسية للتنظيم الدولي، و جوهره يتلخص في مبدأ العمل الجماعي من أجل صيانة السلم و الأمن الدوليين، و هو يحدث عقب وقوع العدوان من جانب دولة أو أكثر على دولة أخرى أو مجموعة من الدول.
و قد خولت المادة 24 الفقرة 1 من الميثاق لمجلس الأمن تحمل المسؤولية الرئيسية من أجل حفظ السلم و الأمن الدوليين، ومن أجل القيام بهذه المهمة فالمجلس يستمد طبقا للفصل السابع سلطات واسعة من الناحية النظرية بقصد إعادة السلام و الأمن إلى نصابهما إذا ما حدث إخلال بهما من قبل إحدى الدول، وهو في سلطته هذه يشبه سلطة عليا فوق الدول جميعا تفرض قراراتها و الإجراءات التي تراها لازمة لمواجهة سائر الأخطار التي تهدد السلام .
والواقع أن نظام الأمن الجماعي لم يعهد به ميثاق الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن وحده في حالات تهديد السلم و الأمن الدوليين، إذ أنه باستقراء الفقرة الأولى من المادة 53 من الميثاق، في جملتها الأولى يتضح صراحة إمكانية لجوء المنظمات الدولية الإقليمية ذاتها إلى التدخل ومباشَرَة إجراءات القمع تحت إشراف و رقابة مجلس الأمن ذاته .
2 : الإجراءات التي يستخدمها مجلس الأمن في التدخل.
أوكل ميثاق الأمم المتحدة إلى مجلس الأمن مهمة النهوض بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين، و قد سمح الميثاق لمجلس الأمن باتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير يستطيع من خلالها التدخل لحفظ السلم و الأمن الدوليين كلما تطلب الأمر ذلك، و تتلخص سلطات مجلس الأمن في هذا الميدان في النقاط التالية :
• التدخل و اتخاذ تدابير مِؤقتة غير عسكرية.
تنص المادة 39 من الميثاق على أن يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو الإخلال به، أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان، وطبقا لهذه المادة يقوم مجلس الأمن بالتأكيد عما إذا كان هناك تهديدا للسلم أو الإخلال به أو عدوانا، ويتخذ بشأن هذه المسائل ما يراه من توصيات، فالعمل الأول الذي يقوم به المجلس هو تكييف الوضع وإعطائه الوصف الذي يتناسب مع خطورته، وبيان ما إذا كان يمثل تهديدا للسلام أو إخلالا به أم عدوانا، و على ضوء ذلك التكييف يصدر المجلس القرار المناسب للتعامل مع الموقف.
وجدير بالذكر أن التدابير التي يتخذها مجلس الأمن طبقا للمادة 40 من الميثاق ليس لها طبيعة قسرية، أي لا يفرضها المجلس بالقوة، ومن هنا يطلق على هذه التدابير وصف التدابير المؤقتة غير العسكرية، ولكن مجلس الأمن يظل مع ذلك مراقبا للوضع، فإذا تأكد أن الأطراف قد ضربوا بتوصياته عرض الحائط ولم يستجيبوا لندائه، كأن يرفضوا وقف إطلاق القتال أو يرفضوا سحب القوات من نقاط معينة، أو يرفضوا الدخول في مفاوضات للوصول إلى تسوية سلمية، هنا يمكن لمجلس الأمن أن يشدد من قوة هذه التدابير، فيصل بها إلى درجات أشد وذلك بما يمتلكه من أدوات وضعها ميثاق الأمم المتحدة بين يديه.
• التدخل و اتخاذ تدابير عقابية غير عسكرية.
جاءت المادة 41 من الميثاق لتكشف عن الإجراءات الأشد التي يمكن لمجلس الأمن أن يلجأ إليها من أجل إعطاء الأثر الفعال للتدابير غير العسكرية التي يتخذها ضد دولة معينة، ويطلب من الدول الأعضاء تطبيقها، ومن أمثلة هذه التدابير قطع الصلات الاقتصادية، وقطع العلاقات الدبلوماسية، و كذلك قطع المواصلات بمختلف أنواعها الجوية و البحرية وغيرها من وسائل المواصلات بشكل كلي أو جزئي، و تلك التدابير تمثل عقوبة غير عسكرية هدفها إجبار الدولة المعتدية على الامتثال لقرارات مجلس الأمن ووقف أعمال العدوان و حل المشكلة بالطرق السلمية.
• التدخل بالقوة و استخدام التدابير و الإجراءات العسكرية.
إذا لم تحقق التدابير غير العسكرية غرض إنهاء العدوان فيجوز لمجلس الأمن في ذلك الوقت التدخل و اتخاذ تدابير القمع و الردع العسكرية طبقا للمادة 42 من الميثاق .
وباستقراء نص المادة 42 من الميثاق، نجد أنها تكشف صراحة عن الحق الكامل لمجلس الأمن في التدخل و اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة في مواجهة الدولة التي تمعن في انتهاك التزامات الميثاق الجوهرية، و ذلك لأغراض كفالة القرارات الصادرة عن مجلس الأمن و لإعادة السلم و الأمن الدوليين إلى نصابهما .
يظهر من خلال ما سبق، أن فلسفة ميثاق الأمم المتحدة تقوم على أساس تضامن الجماعة الدولية في مواجهة العدوان، و طالما كان مجلس الأمن هو النائب الشرعي عن هذه الجماعة الدولية في إخماد نيران الحرب عند اشتعالها، فإن التدابير القمعية التي يتخذها المجلس في مواجهة الجهة المعتدية لا تتوقف على موافقة أو طلب الدولة المعتدى عليها، لأن المصلحة العليا للجماعة الدولية هي التي تملي على مجلس الأمن القيام بتلك الإجراءات و التدابير.

خاتمة :
إن مبدأ عدم التدخل يمثل أحد الركائز الأساسية و المحورية التي يقوم عليها القانون الدولي، حيث أنه يعد أحد أهم مظاهر السيادة التي تقوم عليها الدول، و لاشك أن احترامه هو أول الطريق الصحيح لتحقيق أهداف و مبادئ الأمم المتحدة، و الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، و كل انتهاك لهذا المبدأ يشكل في حد ذاته تهديدا لحرية الدول، وسيادتها واستقلالها السياسي، وسلامتها الإقليمية وتنميتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية، مما و يضفي جوا من التوتر على أجواء العلاقات الدولية.

قائمة المراجع :
أولا : باللغة العربية.
– 1- الكتب.
 ادريس لكريني ، التدخل في الممارسات الدولية: بين الحظر القانوني والواقع الدولي المتغير ، كتاب مشترك مع سمير أمين وزياد حافظ وآخرون تحت عنوان: “العولمة والنظام الدولي الجديد”، مركز دراسات الوحدة العربية بلبنان, سلسلة كتب المستقبل العربي ، ديسمبر 2004 .
 بوراس عبد القادر ، التدخل الدولي الإنساني و تراجع مبدأ السيادة الوطنية ، دار الجامعة الجديدة للنشر ، 2009.
 حازم علتم ، قانون النزاعات المسلحة الدولية، المدخل – النطاق الزمني ، الطبعة الثانية، دار النهضة العربية ، القاهرة 2002 .
 سامح عبد القوي السيد، التدخل الدولي بين المشروعية و عدم المشروعية و انعكاساته على الساحة الدولية، دار الجامعة الجديدة للنشر،الإسكندرية، 2012.
 سهيل حسين الفتلاوي، القانون الدولي العام في السلم ، دار الثقافة للنشر و التوزيع الأردن 2010.
 عبد العزيز محمد سرحان، الغزو العراقي للكويت، دار النهضة العربية، القاهرة، 1991
 عبد الواحد الناصر ، العلاقات الدولية : العناصر الأساسية في النظام الدولي و مدى تطوره بعد حرب الخليج، مطبعة منشورات المستقبل الدار البيضاء ، 1991
 عثمان علي الرواندوزي، مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول في ظل القانون الدولي العام. الكتب القانونية ، دار شتات للنشر و البرمجيات .مصر2010.
 علي إبراهيم، الحقوق و الوجبات الدولية في عالم متغير (المبادئ الكبرى و النظام الدولي الجديد)، دار النهضة العربية ، القاهرة ،1995.
 علي إبراهيم، المنظمات الدولية، النظرية العامة – الأمم المتحدة، دار النهضة العربية، القاهرة،2001.
 علي رضا عبد الحمن رضا، مبدأ الإختصاص الداخلي أو المجال المحجوز للدولة في ظل التنظيم الدولي المعاصر، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة 1998.
 علي صادق أبو هيف، القانون الدولي العام، الطبعة الحادية عشرة،منشأة المعارف، الإسكندرية 1975.
 غراهام ايفانز ، جيفري نوينهام ، قاموس بينغوين للعلاقات الدولية، مركز الخليج للأبحاث ، الطبعة الأولى ، الإمارات العربية المتحدة،2004 .
 لبابة عاشور، العلاقات الدولية بين الاستقطاب الأحادي و تعدد الأقطاب،دار النشر للطباعة و النشر، الطبعة الأولى 2002 .
 مسعد عبد الرحمان زيدان ، تدخل الأمم المتحدة في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي ، دار الكتب القانونية ، دار شتات للنشر و البرمجيات .مصر2008.
 مصطفى سيد عبد الرحمان، قانون التنظيم الدولي، الأمم المتحدة، دار النهصة العربية، 2003 .

2 – التقارير و الدوريات.
 التقرير الاستراتيجي العربي 2002-2003 مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية, القاهرة 2003.
 سعيد سالم جويلي: استخدام القوة المسلحة في القانون الدولي في زمن السلم، المجلة القانونية الاقتصادية، العدد الخامس، كلية الحقوق، جامعة الزقازيق، 1993.
 ﻋﺒﺩ العزيز النويضي، ﺍﺸﺘﺭﺍﻁﻴﺔ ﺤﻘﻭﻕ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ : ﺭﺒﻁ المساعدة ﺒﺎﺤﺘﺭﺍﻡ ﺤﻘﻭﻕ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﻓﻲ العلاقات ﺒﻴﻥ الدول “، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ، العدد 18. 1999.
3 – الأطاريح و الرسائل.
 نوال بهدين، السلطات الجديدة لمجلس الأمن في مجال مكافحة الإرهاب، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية أكدال،2007.
 محمد مصطفى يونس، النظرية العامة لعدم التدخل في شؤون الدول، دراسة فقهية وتطبيقية في ضوء مبادئ القانون الدولي المعاصر ، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامع القاهرة، 1980.
 حساني خالد ، حدود السلطة التقديرية لمجلس الأمن الدولي ، مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون فرع القانون الدولي و العلاقات الدولية ، جامعة الجزائر كلية الحقوق – بن عكنون ، 2009 .
 خالد علي الكردي ، التدخل في ظل النظام الدولي الجديد ، رسالة لنيل دبلوم السلك العالي (الماجستير). المدرسة الوطنية للإدارة الرباط 1995.

ثانيا : باللغات الأجنبية.

 Damrosch , Lori Fisler . Politics Across Borders , Non Intervention and non Forcible Influence over Domestic affairs, A.J.I.L., VOL.83, 1989.
 Goodrich . L.M , the United Nations and domestic jurisdiction, International Organization , lll , 1949 .
 Lauterpacht ,H., International Law and Human Rights , Archon books , London, 1969.
 Potter , L’intervention en droit international modern, R.C.A.D.I. , V.32 ,1930.
 Stowell ,E.C . La Théorie et la pratique de L’intervention, R.C.A.D.I. , V.40, 1932.
 watson, J.S : Auto – interpretation, competence and the continuing validity of article 2 (7) of the U.N. charter , A.J.I.L. , Vol 71 , 1977.

عالـم القانون

عالم القانون World of law هو موقع (www.alamalkanoun.com) ينشر مقالات قانونية مواكبة لأخر المستجدات القانونية في شتى تخصصاتها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق