المقدمة
لما كانت النظم القانونية المعاصرة تبحث عن العدالة والاستقرار القانوني، نظم المشرع وسائل متعددة لمراجعة الأحكام القضائية عن طريق الطعن.وهدفه استدراك ما قد يكون القاضي وقع فيه من خطأ في القانون أو في الواقع بغية إصلاحه أو رفعه عن المتضرر.
وفكرة الطعن في الأحكام جاءت للتوفيق بين اعتبار الثبات و الاستقرار – من جهة- وبين اعتبار إزالة الخطأ- من جهة أخرى- وبذلك تعتبر طرق الطعن الوسائل القضائية الاختيارية التي ينظمها القانون لمصلحة المحكوم عليه إذا أراد هذا الاعتراض على الحكم الصادر ضده بقصد إلغائه أو تعديله أو إزالة آثاره.
وتنقسم طرق الطعن إلى طرق عادية وطرق غير عادية. وطرق الطعن العادية في القانون المغربي هو التعرض والاستئناف.وتسمية طرق الطعن في الأحكام بطرق الطعن العادية تسمية تشتق في صحيح النظر من مكنة بناء الطعن على أي سبب كان سواء تعلق بالواقع أو كان مستمدا من القانون. كما ترجع هذه التسمية من جهة أخرى إلى أن القاضي الذي ينظر هذا الطعن يكون مزودا بالسلطات العدية التي كانت للقاضي الذي أصدر الحكم المطعون فيه.
أما طرق الطعن غير العادية في القانون المغربي فهي: الطعن بالنقض، التماس إعادة النظر وتعرض الخارج عن الخصومة.
أما طرق الطعن العادية و التي تهمنا في موضوعنا هنا هي:
المبحث الأول: طرق الطعن العادية
المطلب الأول: التعرض:
التعرض هو الطريق الذي يسلكه الطاعن عندما يصدر الحكم بحقه بالصورة الغيابية.
حيث نص الفصل 130 من ق.م.م على أن يجوز التعرض على الأحكام الغيابية الصادرة عن المحكمة الابتدائية إذا لم تمن قابلة للاستئناف. وبالنسبة لأحكام الغيابية من محاكم الاستئناف والقابلة للتعرض، فقد نص عليها الفصل 153 من ق.ق.م في فقرته الثالثة إذ لا يطعن في الأوامر الإستعجالية بالتعرض. ونفس الأمر نص عليه الفصل 378 من نفس القانون، لا يقبل التعرض على القرارات الغيابية الصادرة عن المجلس الأعلى.
أولا: إجراءات التعرض
طبقا للفصل 131 من.ق.م.م تبدأ باستدعاء المدعي الأصلي للحضور بالجلسة طبقا للقواعد المنصوص عليها في الفصول 31.37.38.39 من ق.م.م.
كما ينص الفصل 130من نفس القانون، بوجوب تنبيه الطرف في وثيقة التسليم إلى أن بانقضاء الأجل المذكور يسقط حقه في التعرض.
وعليه، يقدم التعرض في شكل مقال مكتوب موقع عليه من طرف المدعي أو وكيله أو في صورة تصريح يدلي به المدعي شخصيا أمام أحد أعوان كتابة الضبط الذي يحرر به محضر يوقع عليه المدعي أو يشار إلى عدم إمكانية التوقيع.
ثانيا: آثار التعرض:
ينص الفصل 132 من قانون المسطرة المدنية المعمول بظهير 10/19/1993 على أنه
يوقف التعرض التنفيذ ما لم يؤمر بغير ذلك في الحكم الغيابي و في هذه الحالة فإذا قدم المحكوم عليه بإيقاف التنفيذ بثت غرفة المشورة مسبقا في الطلب بإيقاف التنفيذ طبقا لمقتضيات الفصل 147.
فأهم أثر يتوقف على تقديم التعرض هو وقف تنفيذ الحكم الغيابي الصادر عن المحكمة التي فصلت في الموضوع.
المطلب الثاني: الاستئناف
نظام التقاضي يقوم في المغرب على درجتين وهدا يعني أن أكثر الدعاوى ترفع أول الأمر على المحكمة الدرجة الأولى. يتم التعرض من طرف الخاسر بطريق الاستئناف على محكمة أعلى درجة تسمى محكمة الدرجة الثانية. و ذلك قصد إصلاح الخطأ الذي ارتكبته محكمة الدرجة الأولى.
أولا: الأحكام القابلة للاستئناف:
الأحكام التي تقبل الاستئناف هي:
- الأحكام التي تتجاوز قيمة النزاع فيها 20 ألف درهم.
-
الأحكام التي سلا يمكن تحديد أو تقدير قيمة النزاع فيها.
-
الأحكام التمهيدية التي تسبق الأحكام الفاصلة في الموضوع، وهي التي لا تفصل في الجوهر، وإنما تقضي عادة بإجراء من إجراءات التحقيق كالخبرة ، والمعاينة بشرط أن تستأنف مع الأحكام الباتة في الموضوع .
-
الأحكام التأويلية أو التفسيرية التي تصدرها المحكمة لتفسير حكم معين ولا يمكن استئناف هذه الأحكام إلا ذا كانت الأحكام موضوع التأويل نفسها قابلة للاستئناف.
-
الأحكام التي تسجل باتفاق الأطراف وتثبت العقود القضائية المقامة بينهم، غير أن ذلك يقتصر على الحالة التي يكون فيها وجود هذا الاتفاق موضوع نزاع.
-
الأحكام التي تدخل في العمل الولائي للمحكمة، كما هو الحال بالنسبة للأحكام الصادرة في المنازعات من طرف المتعرضين الخارجين عن الخصومة.
-
الأوامر المبنية على طلب، التي يصدرها رئيس المحكمة أو من ينوب عنه غير أن استئناف هذه الأوامر لا يكون إلا في حالة الرفض، وهذا ما يتضح من قراءة الفقرة الثانية من الفصل 148 من ق.م.م.
ثانيا: إجراءات الاستئناف
يقدم الاستئناف في شكل مقال أمام كتابة الضبط المحكمة الابتدائية التي أصدرت الحكم المطعون فيه. ويتعين تقديم الاستئناف داخل أجل ثلاثين يوما من تاريخ التبليغ وإلا سقط الحق في ذلك، على أن المشرع استثنى بعض الحالات وقرر لها آجالا أخرى مخالفة شأن الأوامر الاستعجالية والأوامر المبنية على طلب التي حدد لها المشرع خمسة عشر يوما، واستئناف قضايا التحفيظ العقاري المحدد في أجل شهرين.
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن تقديم جميع الطلبات في الطور الاستئنافي ذلك أن الفصل 143 من قانون المسطرة المدنية في فقرته الأولى يقضي بأنه : « لا يمكن تقديم أي طلب جديد أثناء النظر في الاستئناف باستثناء طلب المقاصة أو كون الطلب الجديد لا يعدو أن يكون دفاعا عن الطلب الأصلي».
والغاية من ذلك، أن تكون القضية واحدة لأن من شأنه إجازة تقديم الطلبات المذكورة أن تحوز القضية وتخرج من إطارها الأصلي إلى إطار آخر يختلف عن الصورة الأصلية التي قدمت بها. هذا فضلا عن ذلك يفوت درجة من درجات التقاضي، إذ من المفيد للأطراف النظر في الطلب على درجتين.
ثالثا: أنواع الاستئناف:
يميز عادة بين نوعين من الاستئناف، أولهما يعرف بالاستئناف الأصلي وثانيهما بالاستئناف الفرعي.
فالاستئناف الأصلي هو الذي يتقدم به المحكوم عليه في المرحلة الابتدائية لتلافي الحكم المضر بمصالحه، فيكون بذلك هو المستأنف، أما الاستئناف الفرعي فهو الذي يتقدم به المستأنف عليه الذي سبق أن حكم لفائدته ابتدائيا ولو جزئيا.
وبذلك يكون الاستئناف الفرعي وسيلة للرد على استئناف المستأنف بعد فوات معياد الاستئناف أو قبول المستأنف عليه للحكم .
ويشترط لقبول الاستئناف الفرعي ما يلي:
1- أن يكون هناك استئناف أصلي، وأن يقوم صحيحا منتجا لآثاره، لأن بطلان الاستئناف الأصلي أو سقوطه لسبب من الأسباب يؤدي إلى بطلان أو سقوط الاستئناف الفرعي نظرا لتبعته له وتفرعه عنه.
2- ويشترط لقبول الاستئناف الفرعي في حالة قبول المستأنف عليه للحكم المستأنف أن يكون هذا القبول بعد رفع الاستئناف الأصلي فلا يقبل الاستئناف الفرعي. وعلة ذلك أن القبول السابق على الطعن يعتبر قبولا معلقا على شرط عدم الطعن في الحكم بالاستئناف، أما إذا حدث هذا الطعن فقد زالت مبررات هذا القبول.
3- ويرفع الاستئناف الفرعي من جانب المستأنف عليه وحده، وهذه القاعدة تسري على من يعتبرهم القانون ممثلين في الدعوى بالنسبة للمستأنف عليه. غير أنه يجوز في حالة التضامن والضمان وعدم قبول المسألة للتجزئة أن يرفع الاستئناف الفرعي من غير المستأنف عليه.
4- لا يقبل الاستئناف الفرعي إلا إذا رفع قبل سد باب المناقشة في الاستئناف الأصلي، لأن القانون اشترط أن لا يكون الاستئناف الفرعي أو التبعي سببا في تأخير الفصل في الاستئناف الأصلي.
رابعا: آثار الاستئناف:
يرتب الاستئناف أثرين اثنين يتمثلان في كونه يوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وفي أنه ينقل النزاع من المحكمة الابتدائية إلى محكمة الاستئناف.
1- الأثر الموقف:
تنص الفقرة الأخيرة من الفصل 134 من قانون المسطرة المدنية على أنه: « يوقف أجل الاستئناف، والاستئناف نفسه داخل الأجل القانوني التنفيذ عدا إذا أمر بالتنفيذ المعجل ضمن الشروط المنصوص عليها في الفصل 147».
فالاستئناف المقدم بصورة قانونية يؤدي إلى وقف تنفيذ الحكم الابتدائي المطعون فيه، وهذه مسألة بديهية لأن طرق الطعن العادية توقف التنفيذ.
2- الأثر الناقل
يقصد بهذا الأثر أن ينقل الاستئناف النزاع من المحكمة الابتدائية إلى محكمة الاستئناف، ويشمل النقل كل عناصر الدعوى الواقعية منها والقانونية.