مقدمــــــــــــــــــــــة
لم يحدد المشرع المغربي وسائل الأداء والائتمان على سبيل الحصر ،بل اعتبر كل وسيلة تمكن من تحويل اموال كيفما كانت الطريقة او الوسيلة التقنية المستعملة لذلك ،وقد نظم الاحكام الخاصة لبعض هذه الوسائل كما هو الحال في الاوراق التجارية،والتحويل البنكي وفتح الاعتماد ،والخصم بيد انه اخضع شروط وكيفية استعمال باقي الوسائل للاتفاقات بين المؤسسة المصدرة وصاحب وسيلة الاداء من جهة وبين المؤسسة المصدرة والتاجر المنخرط من جهة أخرى ،شريطة احترام قواعد النظام العام المبنية في مدونة التجارة ,وبالرجوع إلى المادة التاسعة من مدونة التجارة يلاحظ أن المشرع خص بالذكر ورقتين فقط وهما الكمبيالة والسند لأمر حيث اعتبر الكمبيالة من الأعمال التجارية على سبيل الإطلاق على عكس السند لأمر الذي لا يعتبر عملا تجاريا.
وتتلخص الخصائص المميزة للورقة التجارية فيما يلي:
أولا : الشكلية Formalisme
أوجب قانون الصرف إفراغ الورقة التجارية في قالب معين، إذ يجب أن تكتب في محرر وأن تتضمن البيانات المنصوص عليها قانونا، والحكمة من هذه الشكلية هو إضفاء الوضوح على الالتزام الثابت بالورقة التجارية، وتحديد مضمونه بطريقة تطبعها الدقة، والهدف من هذا كله هو تمكين الورقة التجارية من القيام بوظيفتها على أحسن وجه، وجعلها تتمتع بالكفاية الذاتية بحيث لا يمكن الرجوع إلى مستند آخر لتحديد مضمونها، وبذلك تكون مستقلة بذاتها وإذا حصل وكانت الورقة التجارية غير متوفرة على الشكل المطلوب فإنها تكون باطلة كورقة تجارية وتتحول إلى مجرد سند عادي لا يخضع لقانون الصرف وإنما لمقتضيات القانون المدني والتجاري.
والملاحظ أن الشكلية التي اشترطها المشرع ليست قاصرة على سحب الورقة التجارية، بل إن المشرع اشترطها عند تداول الورقة التجارية أيضا.
ثانيا : استقلال التوقيعات
أهم الركائز الأساسية التي يقوم عليها قانون الصرف، ويكتسي هذا المبدأ أهمية كبيرة لأنه يضفي الثقة على التعامل بالورقة التجارية، ويوفر الحماية اللازمة للحامل حسن النية، وكل هذا يجعل الورقة التجارية تؤدي وظيفتها على أحسن وجه.
ويقصد باستقلال التوقيعات (أو استقلال الالتزام الصرفي) أن كل موقع على الورقة يعتبر توقيعه مستقلا عن غيره من التوقيعات، أي أن التزامه الصرفي الناتج عن التوقيع على الورقة التجارية يعتبر التزاما مستقلا عن باقي الالتزامات الصرفية الأخرى للموقعين الآخرين. وتطبيقا لهذا المبدأ إذا حدث وكان التزام الساحب مثلا باطلا بسبب عدم مشروعية السبب أو انعدامه، أو لانعدام الأهلية أو نقصانها، فإن هذا البطلان لا يكون له أثر على التزامات الموقعين الآخرين. ولتوضيح ذلك نورد المثال الآتي: إذا افترضنا أن أحد الأشخاص التزم قبل آخر بمبلغ 2000 درهم وكان هذا الالتزام ناتج عن إجراء صفقة محلها غير مشروع كالمخدرات مثلا، فإذا حدث وقام المدين بسحب كمبيالة لفائدة البائع، وقام هذا الأخير بتظهير هذه الكمبيالة لفائدة شخص آخر حسن النية، أي لا علم له بطبيعة الصفقة التي تمت بين الساحب والمستفيد، فإن الكمبيالة تنتقل إلى المظهر إليه مطهرة من العيوب، وبالتالي فإنه لا يحق للساحب أن يتمسك في مواجهة هذا الحامل ببطلان الكمبيالة، ومرد ذلك أن التزام الساحب قبل دائنة المباشر مستقل عن التزامه قبل الحامل, ولو فرضنا أن المستفيد من هذه الكمبيالة لم يقم بتظهيرها وإنما احتفظ بها فإنه يحق للساحب أن يتمسك في مواجهته بهذا الدفع (أي عدم مشروعية السبب).
ومن خلال ما سبق يتبين أن استقلال التوقيعات يشكل دعما قويا للسرعة والثقة والائتمان باعتبارها الركائز الأساسية التي تقوم عليها الحركة التجارية.
ثالثا : التضامن الصرفي La solidarité cambiaire
يعتبر التضامن الصرفي من المبادئ الأساسية التي يتكون منها قانون الصرف, ويكتسي هذا المبدأ أهمية كبيرة لأنه يضفي الثقة على التعامل بالورقة التجارية، ونتيجة لذلك يتم تداولها بيسر وسهولة. ويقصد بالتضامن الصرفي أن جميع الموقعين على الورقة التجارية يلتزمون بالتضامن بأداء مبلغها للحامل. وإذا لم يستطع الحامل استيفاء مبلغها من المسحوب عليه (إذا تعلق الأمن بالكمبيالة أو الشيك) أو من المحرر (إذا تعلق الأمر بالسند لأمر) فإنه يستطيع الرجوع على الساحب أو المحرر وعلى الموقعين الآخرين مجتمعين أو منفردين دون أن يكون ملزما باتباع الترتيب الذي ورد به التزامهم، ومرد ذلك أنهم يعتبرون مسؤولين بالتضامن تجاه الحامل فيما يتعلق بأداء مبلغ الورقة التجارية.
وإذا تعلق الأمر بالكمبيالة فإن التضامن الصرفي لا يقتصر على الوفاء وإنما يمتد ليشمل القبول.
ولا شك أن إعمال مبدأ التضامن يجعل حامل الورقة التجارية واثقا من استيفاء مبلغها، وكلما كثرت التواقيع عليها زاد، يقينه في انتفاء مبلغها نظرا لتعدد الضامنين.
رابعا: عدم التمسك بالدفوع
يعتبر مبدأ عدم التمسك بالدفوع (أو مبدأ تطهير الدفوع) من أهم المبادئ التي يستند إليها قانون الصرف ومن الدعائم الأساسية التي يقوم عليها تداول الورقة التجارية. وبالرجوع إلى القواعد العامة يلاحظ أن الدائن الذي يحيل حقه إلى شخص آخر يحيله إليه بعيوبه ودفوعه وما يشوبه من أسباب الانقضاء أو البطلان أو الفسخ. ونتيجة لذلك فإن الحوالة لا تعطي له (أي المحال له) من الحقوق أكثر مما للمحيل، فالمحيل ليس في مقدوره أن يمنح أكثر مما يملك، فإذا كان الحق الذي أحاله مشوبا بعيوب ما فإنه لا يستطيع أن ينقله إلى المحال له مطهرا من هذه العيوب، وبعبارة أخرى فإن المحال عليه يستطيع التمسك في مواجهة المحال له بكل الدفوع التي يستطيع التمسك بها في مواجهة المحيل.
ولا شك أننا لو طبقنا هذه القاعدة على حامل الورقة التجارية لأصبح في الإمكان التمسك في مواجهته بالدفوع الناتجة ليس فقط عن علاقته بمن ظهر له الورقة التجارية وإنما كذلك بالدفوع الناتجة عن العلاقات السابقة، ونتيجة لذلك فإنه كلما استمرت الورقة التجارية في التداول كلما تنفصل عن الديون التي كانت سببا في سحبها أو تظهيرها, إنها تمثل حقا مجردا ناتجا عنها بذاتها، وكل من وضع توقيعه عليها يصبح ملتزما التزاما مجردا ومستقلا عن التزامات باقي الموقعين، ونتيجة لذلك فإن الحامل لا يتأثر بالدفوع التي يمكن الاحتجاج بها في مواجهة هؤلاء. واستنادا إلى المادتين 171 و261 من مدونة التجارة نستطيع تحديد نطاق قاعدة عدم التمسك بالدفوع، فالدفوع حسب هاتين المادتين نوعان، فهناك دفوع مرتبطة بعلاقة الموقعين المدعى عليهم بحامل سابق أو بالساحب، وهناك دفوع متصلة بعلاقة الموقعين المدعى عليهم بالحامل المدعي.
فأما بالنسبة للنوع الأول من الدفوع فإنه لا يمكن التمسك بها من قبل الموقع في مواجهة الحامل الذي يطالب بالأداء اللهم إلا إذا كان هذا الأخير سيء النية، والأمر هنا يتعلق بالدفوع التي تكون خارجة عن الالتزام الصرفي، وهي عديدة ومتنوعة (كالغلط، والتدليس، أو فسخ العقد، أو عدم تنفيذه، وكالمقاصة، وعدم مشروعية السبب). أما إذا تعلق الأمر بدفوع لها علاقة بالالتزام الصرفي فإن التظهير لا يطهرها، وبعبارة أخرى هي دفوع يمكن الاحتجاج بها في مواجهة كل حامل، ومن هذه الدفوع الدفع بالعيوب الشكلية، والدفع بعدم الأهلية، والدفع بالإكراه، ويستطيع المظهر كذلك الاحتجاج، في مواجهة الحامل بالشرط الذي وضعه على الورقة التجارية والذي بعفيه من ضمان القبول والأداء.
وتجدر الإشارة أخيرا إلى أن تطبيق قاعدة عدم التمسك بالدفوع يتطلب ألا يكون الحامل تهيئ النية وذلك تطبيقا للمادتين 271 و261 من مدونة التجارة، وكمثال على ذلك أن يكون حامل الكمبيالة مدينا للمسحوب عليه بمبلغ يساوي مبلغ الكمبيالة وعلما منه بأنه إذا تقدم للمطالبة بالأداء سيتمسك المسحوب عليه في مواجهته بالمقاصة فإنه يعمد لكي يتخلص من هذا الدفع إلى تظهير هذه الكمبيالة إلى شخص حتى إذا تسلم هذا الأخير مبلغها سلمه للمظهر, ولا شك أن الحامل هنا يعتبر سيئ النية لأنه تعمد الإضرار بالمدين، ولذلك فإنه إذا كان المسحوب عليه على علم بهذا الأمر واستطاع إثبات سوء نية الحامل فإنه يحق له التمسك في مواجهته بالمقاصة. أما بالنسبة للصنف الآخر من الدفوع أي الدفوع المتصلة بعلاقة الموقعين المدعى عليهم بالحامل المدعي، فهي دفوع يجوز الاحتجاج بها في مواجهة الحامل، فإذا كان الحامل مثلا مدينا لأحد الموقعين بدين يساوي مبلغ الورقة التجارية فإنه يحق لهذا الموقع أن يحتج في مواجهة الحامل بالمقاصة عند مطالبته بالأداء، وتسري قاعدة عدم الاحتجاج بالدفوع في هذه الحالة حتى بالنسبة للدفوع المتصلة بالالتزام السابق للالتزام المصرفي والذي هو أساس إصدار الورقة التجارية أو تظهيرها. فلو فرضنا أن كمبيالة سحبت أو ظهرت بسبب دین ناتج عن قمار فإن المدين بهذا الدين يستطيع الاحتجاج بعدم مشروعية السبب في مواجهة الحامل الذي يكون طرفا في هذه العلاقة، غير أنه لا يمكن الاحتجاج بهذا الدفع في مواجهة الحملة الآخرين.
خامسا: التجريد
فهذا الالتزام يكفي لكي يعتبر Caractère abstrait من مميزات الالتزام الصرفي أنه التزام مجرد أي أنه التزام يتصف بالتجريد
صحيحا أن يتوفر على الشكل الذي حدده القانون وذلك بغض النظر عن وجود سبب أو عدم وجوده، فالاعتداد هنا يكون بالظاهر،
وإذا كان قانون الصرف يأخذ بفكرة La théorie de l’apparenceاي ظاهر الورقة التجارية، وذلك إعمالا لنظرية الظاهر
*التصرف المجرد فإن القانون المدني المغربي على العكس من ذلك لا يأخذ بهذه الفكرة بل يشترط أن يكون للتصرف سبب، فإذا تخلف السبب أو كان غير مشروع فإن التصرف يعتبر باطلا بطلانا مطلقا.
*وعليه فإن نظرية التصرف المجرد لا تعتبر في القانون المغربي أصلا وإنما هي مجرد استثناء، لأن الأخذ بها تم في نطاق ضيق خاصة بالنسبة للأوراق التجارية.
*ولا شك أن التجريد هو الذي يمكن الورقة التجارية من التداول بيسر وسهولة لأنها تنتقل من يد إلى وهي منفصلة عن السبب الذي أنشئت من أجله، فقوتها تستمدها من ذاتها ومن القانون الذي ينظمها (أي قانون الصرف).
*ولا ينتج التجريد أثره إلا بين الأشخاص الذين لا تجمعهم علاقات تعاقدية مباشرة بشرط أن يكونوا حسني النية، وبعبارة أخرى أن سوء النية يبطل أثر التجريد. أما الذين يرتبطون بعلاقات مباشرة فإن التجريد لا ينتج أثره، فلو فرضنا أن كمبيالة مثلا تم تداولها بواسطة سلسلة غير منقطعة من التظهيرات، ثم ظهرت في آخر المطاف للساحب، فإن المسحوب عليه يحق له أن يحتج في مواجهته بالدفوع الشخصية، وما يقال عن الساحب يقال كذلك عن المستفيد في علاقته مع الساحب، والمظهر في علاقته مع المظهر إليه.
سادسا: قابلية الورقة التجارية للتداول بالطرق التجارية
تعتبر الأوراق التجارية سندات قابلة للتداول بالطرق التجارية، ويختلف انتقال الحق في الميدان المدني عن انتقال الحق الثابت في الورقة التجارية، فالورقة التجارية تنتقل عن طريق التظهير أو المناولة اليدوية، أي انتقال الحق في الميدان المدني فلا يسري مفعوله تجاه المدين والغير، إلا إذا تم تبليغ الحوالة للمدين تبليغا رسميا أو إذا قبل بها في محرر ثابت التاريخ (المادة 195 من ق.ل.ع.م).
ويعتبر التظهير الوسيلة التي يتم اللجوء إليها عادة لنقل الحق الثابت في الأوراق التجارية عموما وفي الكمبيالة على وجه الخصوص ذلك أنها قابلة للتداول عن طريق التظهير حتى ولو لم تكن متضمنة لشرط الأمر، فهذا الشرط مفترض فيها، غير أنه إذا ضمنها الساحب شرطا ليست للأمر أو “غير قابلة للتداول” فإنها في هذه الحالة لا تنتقل إلا عن طريق الحوالة. وتنتقل الكمبيالة عن طريق المناولة اليدوية إذا كانت قد ظهرت للحامل أو على بياض. وينتقل السند الأمر أو (السند الاذني) أيضا عن طريق التظهير. أما الشيك فإنه يكون قابلا للانتقال عن طريق التظهير إذا كان قد اشترط وفاؤه لمصلحة شخص مسمى سواء كان متضمنا لشرط الأمر أو لم يكن متضمنا بهذا الشرط، غير أنه إذا اشترط وفاؤه لمصلحة شخص مسمی وتضمن عبارة “ليست لأمر” أو أية عبارة أخرى لها فإن تداوله لا يمكن أن يتم إلا عن طريق الحوالة العادية.
أما إذا كان الشيك للحامل au porteur فان تداوله يتم عن طريق المناولة اليدوية دون اعتماد أي إجراء شكلي. واستنادا إلى المادة 243 من مدونة التجارة فإن الشيك يعتبر لحامله إذا كان خاليا من بيان المستفيد أو إذا كان مسحوبا لمصلحة شخص مسمى ومتضمنا العبارة “أو الحاملة” أو أية عبارة لها نفس المعنى، غير أن الأوراق التجارية لا تنتقل فقط بالطرق التجارية وإنما يجوز أن تنتقل أيضا عن طريق الحوالة أو الإرث أو الوصية أو عن طريق اندماج الشركات.
سابعا: الأمر الناجز بدفع مبلغ معين من النقود
تلعب الورقة التجارية دورا شبيها بالدور الذي تقوم به النقود، ولذلك فإنها كثيرا ما تحل محلها وتتضمن الورقة التجارية أمرا بدفع مبلغ من النقود ولا يجوز أن يكون موضوعها شيئا آخر غير النقود، فإذا كان موضوعها مثلا بضاعة اعتبرت باطلة وهناك سندات لا يكون موضوعها النقود، وبالتالي فهي لا تعتبر أوراقا تجارية، وكمثال على ذلك السندات التي تمثل كمية من البضائع كشهادة الإيداع في المخازن العمومية Récépissé des magasins généraux , وسند النقل البحري connaissement فهذه السندات قابلة للتداول ولكنها لا تمثل مبالغ نقدية ويجب أن يكون الأمر الوارد في الورقة التجارية ناجزا أي غير معلق على شرط سواء
كان هذا الشرط واقفا clause suspensive او فاسخا clause résolutoire.
لأن من شان الشرط الواقف أن يجعل قيمة الورقة التجارية أمرا احتماليا، كما أن تعليق وفاء مبلغ الورقة التجارية على شرط فاسخ من شأنه أن يحول دون تنفيذ الالتزام الذي يبقى موجودا فإذا تحقق الشرط زال، وبعبارة أخرى أن الورقة التجارية التي تتضمن هذا الشرط تشكل تهديدا بالنسبة لمالكها لأن الحق الثابت فيها معرض للزوال.
*ويجب أن لا يعلق وفاء الورقة التجارية على أجل غير معين لأن الأمر الذي يرد بهذه الكيفية يحول دون تداولها وخصمها ويجب كذلك أن يكون المبلغ النقدي موضوع الأمر بالأداء معينا بصورة نهائية، فإذا كان المبلغ غير معين وإنما أحيل بيانه على عنصر خارجي فإن هذا السند يعتبر باطلا كورقة تجارية، لكن يمكن اعتباره سندا من نوع آخر إذا توفرت الشروط الضرورية لاعتباره كذلك.
ثامنا: الكفاية الذاتية
لا يجب أن تكون الورقة التجارية قائمة بذاتها مكتفية بما ورد فيها مستقلة بنفسها، وبالتالي فإنه لا يمكن تكملة ما نقص منها بالاستناد إلى عنصر خارجي أو علاقة قانونية أخرى سواء كانت هذه العلاقة سابقة أو لاحقة لإنشائها ولا يمكن أن تتمتع الورقة التجارية بالكفاية الذاتية إلا إذا كانت قد حررت كتابة وتضمنت البيانات الإلزامية، والكتابة هنا ليست للإثبات فقط وإنما هي ضرورية لوجود الورقة التجارية، فبدونها لا يمكن تصور وجود التزام صرفي. وعليه فإن الكفاية الذاتية للورقة التجارية مرتبطة ارتباطا عضويا بالشكل الذي يجب أن تفرغ فيه، فكلاهما لا غنى عنه لتتمكن من التداول بسهولة.
وإذا كان كل من الكمبيالة والسند لأمر يعتبر أداة ائتمان ووفاء، إلا أن الطابع الذي يغلب على كل واحد منهما هو الائتمان، ولذلك فإن هناك في غالب الأحيان فترة زمنية تفصل بين تاريخ السحب وتاريخ الوفاء، أما الشيك فإنه على العكس من ذلك يعتبر أداة وفاء لأنه واجب الاداء بمجرد الاطلاع، وقد ارتأينا دراسة هذه الأوراق في قسمين مستقلين:
القسم الأول نخصصه للكمبيالة والسند لأمر، والقسم الثاني ويخصص للشيك.
القسم الأول: الكمبيالة والسند لأمر
ارتأينا أن نخصص هذا القسم الكمبيالة والسند لأمر نظرا لما بينهما من تشابه من حيث الوظيفة التي يقومان بها، فكلاهما يعتبر أداة وفاء وائتمان، غير أنهما يستعملان كأداتي ائتمان أكثر مما يستعملان كأداتي وفاء، وبما أن السند لأمر أقل انتشارا في الميدان العملي إذا قورن بالكمبيالة وبما أنه يخضع من حيث الأصل للمبادئ والأحكام الخاصة بالكمبيالة فإننا سنركز على دراسة الكمبيالة وسوف نكتفي عند التعرض له بالإشارة إلى الأحكام التي ينفرد بها، وعليه فإننا سنتعرض في إطار هذا القسم الكمبيالة في فصل أول، والسند لأمر في فصل ثاني.
الفصل الأول: الكمبيالة
تعتبر الكمبيالة من الأعمال التجارية الشكلية المنفردة والمطلقة، وبعبارة أخرى تعتبر عملا تجاريا بحسب الشكل أي أن المشرع أضفي عليها الوصف التجاري بالاستناد إلى الشكل الذي تفرغ فيه، وليس استنادا إلى أي اعتبار آخر، وعليه فإنها تعتبر عملا تجاريا بصرف النظر عن الغرض الذي سحبت من اجله، وبغض النظر عن الشخص الذي سحبها أي سواء كان تاجرا أو غير تاجر وذلك تطبيقا للمادة التاسعة من مدونة التجارة التي جاء فيها ما يلي: “يعد عملا تجاريا بصرف النظر عن المادتين 6 و7: الكمبيالة…”
ويفهم مما سبق أن الأعمال التجارية الشكلية أسبغ عليها المشرع الصفة التجارية دون أن تتوافر فيها عناصر أو مقومات التجارة من مضاربة ووساطة وتداول
وسوف نقسم هذا الفصل إلى المباحث الآتية:
المبحث الأول: الاطار المفاهيمي للكمبيالة وتحديد الدور الذي تلعيه
المبحث الثاني: إنشاء الكمبيالة
المبحث الثالث: تداول الكمبيالة
المبحث الرابع: ضمانات الوفاء
المبحث الخامس: في الاستحقاق والوفاء
المبحث السادس: الرجوع لعدم الوفاء
المبحث السابع: سقوط حق الحامل في الرجوع
ويطلق بعض الفقه على الأعمال التجارية الشكلية اسم “الأعمال التجارية بالعرف” أو “الأعمال التجارية بنص القانون”.
المبحث الأول: الاطار المفاهيمي للكمبيالة والدور الذي تلعبه
لقد استعملت التشريعات العربية عدة مصطلحات للدلالة على هذه الورقة التجارية ومنها الكمبيالة واصلها من اللغة الايطالية cambiale )) ،وتعني سند الصرف ،وفي كل من التشريع الجزائري والمصري والسعودي والكويتي يستعمل مصطلح السفتجة وهي كلمة فارسية ,
ومهما اختلفت التسميات فان الدلالة على ورقة تجارية لها اهميتها ضمن وسائل الائتمان ,
الفرع الأول: تعريف الكمبيالة
المشرع المغربي لم يعرف الكمبيالة ،وانما عدد البيانات الالزامية التي يجب ان تتضمنها تحت طائلة البطلان ،فتم تعريفها بناء على هذه الخصائص فهي :
ورقة تجارية تكتب وفقا للشكل الذي ينص عليه القانون أي أنها تتضمن البيانات التي ينص عليها القانون، وهي تتضمن أمرا صادرا من شخص يسمى الساحب (Tireur) إلى شخص آخر يسمى المسحوب عليه (tire) بأن يدفع مبلغا معينا من النقود لشخص ثالث يسمى المستفيد (Bénéficiaire) بمجرد الاطلاع، أو في تاريخ معين، أو قابل للتعيين،
وتستخدم الكمبيالة كأداة للصرف والتحويل والنقل ،وكأداة وفاء ذا كانت مستحقة الاداء لدى الاطلاع ،وكأداة ائتمان اذا تضمنت اجلا للوفاء
ويلاحظ من خلال هذا التعريف أن أشخاص الكمبيالة هم الساحب والمسحوب عليه والمستفيد. وتسمى الكمبيالة كمبيالة إذنيه إذا حررت للمستفيد أو لإذنه أو أمره. وإذا ظهرت للحامل سمیت لحاملها ويتم تداولها في الحالة الأولى عن طريق التظهير أما في الحالة الثانية فيتم تداولها عن طريق المناولة اليدوية وقد تظهر الإذن الحامل أو لأمره فتكون قابلة للانتقال عن طريق المناولة اليدوية وكذلك عن طريق التظهير.
ويلاحظ أن التشريع المصري اشترط لقيام كمبيالة صحيحة أن تتضمن شرط الإذن، وبعبارة أخرى فإن تخلف هذا الشرط يؤدي إلى بطلانها، وعلى العكس من ذلك فإن التشريع التجاري المغربي سواء القديم أو الجديد لم يشترط ذكر شرط الإذن، وعليه فإن الكمبيالة في التشريع التجاري المغربي قابلة للانتقال عن طريق التظهير ولو لم تكن مسحوبة للأمر صراحة، غير أنه إذا تضمنت شرطا يراد به استبعاد شرط الإذن أو الأمر كان يكتب عليها (ليست للأمر) مثلا فإنها في هذه الحالة لا تنتقل بالطرق التجارية أي التظهير والمناولة اليدوية، وإنما تنتقل عن طريق الحوالة وتخضع لآثارها، كما هو منصوص على ذلك في قانون الالتزامات والعقود.
من خلال ماسلف ذكره ، كذلك يتضح ان الكمبيالة تفترض عند انشائها ودود ثلاثة أطراف وهم :
اولا :الساحب،وهو من حرر السند وأمر المسحوب عليه أن يدفع الكمبيالة الى المستفيد
ثانيا : المسحوب عليه،وهو الموجه اليه الأمر من الساحب بدفع مبلغ الكمبيالة الى المستفيد.
ثالثا : المستفيد،وهو من صدر السند لمصلحته أو لأمره اي انه هو الدائن بالحق الثابت في الكمبيالة.
ويمكن ان تنتج عن الكمبيالة عدة علاقات بعد انشائها وقبل حلول تاريخ استحقاقها نتيجة استخدامها كأداة للائتمان من طرف المستفيد في معاملاته مع الغير ،ويكون ذلك عن طريق تداولها ، هذا وتتعدد صور سحب الكمبيالة ،فقد يتم سحبها لفائدة الساحب ،كما يمكن سحبها على الساحب نفسه ،ويمكن سحبها كذلك بواسطة وكيل ،ويكون توقيعه في حدود الصلاحية الممنوحة له ، ولا يتحمل الالتزامات التي تنتج عنها بل تقع على عاتق الاصيل ،ويمكن سحب الكمبيالة كذلك لحساب الغير.
الفرع الثاني: تحديد الدور الذي تلعبه الكمبيالة
تلعب الكمبيالة دورا هاما في الميدان التجاري، وقد خضع هذا الدور لتطورات متلاحقة استجابة للمستجدات في الميدان الاقتصادي والتجاري التي عرفتها البشرية، فقد كانت في البداية وسيلة للصرف ونقل النقود instrument de transport d’argent ثم أصبحت في مرحلة ثانية أداة وفاء un instrument de paiement ثم بعد ذلك أصبحت أداة ائتمان un instrument de crédit وتؤدي الكمبيالة هذه الوظائف كيفما كانت طبيعة النظام الاقتصادي الذي تعتمده الدولة.
أولا: الكمبيالة أداة للصرف ونقل النقود
لعبت الكمبيالة هذا الدور قديما وقد كان يكتسي أهمية بالغة في وقت كان فيه السفر محفوفا بكثير من المخاطر كالسرقة والضياع وتفاديا لهذه المخاطر فإن التاجر الذي يريد السفر من دولة إلى أخرى من أجل شراء بضاعة كان يكفيه أن يتقدم إلى بنك من البنوك التي يتعامل معها ويودع لديه مبلغا من النقود بالعملة المحلية فيسلمه البنك كمبيالة مسحوبة على بنك مراسل له في المدينة التي يقصدها، و حتى إذا وصل إليها سلمه هذا البنك ما يوازي المبلغ الذي أودعه بعملة هذه المدينة ويحصل البنك مقابل هذه الخدمة على عمولة يدفعها له التاجر، ويسمى هذا الصرف بالصرف المسحوب. وقد حل هذا الصرف محل الصرف اليدوي الذي تم التخلي عنه لأنه يعرض المسافر لخطر السرقة والضياع عند حمله النقود أثناء السفر.
ويلاحظ في الوقت الحاضر أن هذا الدور لم يعد ذا أهمية كبيرة إلا في العلاقات الدولية، ومرد ذلك أن السفر بالنقود أصبح أمرا میسرا وغير محفوف بالمخاطر كما كان عليه الأمر في القديم، أضف إلى ذلك أن هناك وسائل أخرى تحل محل الكمبيالة في المعاملات كالشيك والحوالات البريدية.
ثانيا: الكمبيالة أداة للوفاء un instrument de paiement
أصبحت الكمبيالة في الوقت الحاضر تقوم بوظيفة هامة فهي تستعمل كوسيلة تحل محل النقود في المعاملات. وقد بدأت تقوم بهذا الدور ابتداء من بداية القرن السابع عشر في إيطاليا وفرنسا. ولتوضيح دور الكمبيالة كأداة للوفاء أضرب المثال الآتي:
أجرى محمد تاجر الجملة صفقة قيمتها 50.000 درهما مع علي أحد تجار التجزئة وأصبح محمد نتيجة لهذه الصفقة دائنا لعلي بهذا المبلغ، فإذا أجري محمد تاجر الجملة صفقة أخرى مع إدريس مالك مصنع من أجل شراء بضائع بقيمة 50.000درهم، فإن الوفاء في هذه الحالة يمكن أن يتم بإحدى الطريقتين الآتيتين: فإما أن يقوم علي (تاجر التجزئة بدفع الدين المترتب في ذمته إلى محمد (تاجرالجملة ),
ويقوم هذا الأخير بدوره بدفع الدين المترتب في ذمته لإدريس (مالك المصنع)، وإما أن الوفاء يتم بطريقة أخرى ولعلها الطريقة الأكثر مسايرة للنشاط التجاري الحديث وهي أن يقوم محمد (تاجر الجملة بسحب كمبيالة على علي) تاجر التجزئة لفائدة إدريس (مالك المصنع)، وهكذا فبدلا من أن يقوم محمد بدفع مبلغ 50.000 درهم لإدريس سحب لفائدته كمبيالة على علي، وبهذه الطريقة تمت تسوية دينين دفعة واحدة عوض تسويتهما على دفعتين. ويلاحظ من خلال هذا المثال أن الكمبيالة حلت محل النقود في الوفاء بقيمة الصفقة التي تمت بين محمد وإدريس، ولا شك أن استعمال الكمبيالة كأداة للوفاء يؤدي إلى الإقلال من استعمال النقود في المعاملات. ففي المثال الذي أوردناه أدى سحب الكمبيالة إلى الوفاء بدينين دفعة واحدة. وعند وفائها في تاريخ الاستحقاق من قبل المسحوب عليه ينقضي الدين الذي في ذمته قبل آخر حامل لها والذي نتج عن التوقيع بالقبول. وينقضي الدين الذي في ذمته للساحب وينقضي كذلك الدين الذي على الساحب قبل المستفيد، وإذا حصل أن كانت الكمبيالة قد تم تداولها عن طريق التظهير فإن الديون التي يرتبط بها المظهرون تنقضي أيضا.
ثالثا: الكمبيالة أداة ائتمان
تعتبر الكمبيالة أداة ائتمان ولا شك أن هذا الدور الذي تلعبه في الوقت الحاضر بامتياز يكتسي أهمية كبيرة، ويتجلى ذلك في كونها تستعمل كوسيلة لتأجيل الوفاء، ومن خصائص هذه الورقة أنها واجبة الدفع في أجل قصير، ولا شك أن قصر الأجل هذا هو الذي يسهل تداولها وخصمها.
ويعتبر الائتمان في الوقت الحاضر – العمود الفقري للنشاط التجاري والاقتصادي، ولا شك أن الكمبيالة تقوم بهذه الوظيفة على أحسن وجه بعدما أصبح التظهير سلوكا شائعا.
ولتوضيح المقصود بالائتمان نورد المثال الآتي:
إذا باع تاجر الجملة سلعا لتاجر التجزئة بمبلغ 20.000 درهما وتم الاتفاق بينهما على أن لا يتم الأداء في الحال وإنما يتم تأجيله إلى تاريخ لاحق، ولنتصور أن هذا الأجل هو أربعة أشهر في هذه الحالة يكون تاجر الجملة قد منح ائتمانا التاجر التجزئة، وبما أن النشاط التجاري في حركة دائبة فإن تاجر الجملة قد يكون هو أيضا في حاجة إلى النقود لإبرام صفقة تجارية مع أحد المنتجين بقصد شراء سلعة معينة ولذلك فإنه يستطيع هو بدوره أن يتفق مع هذا المنتج على تأجيل الوفاء إلى تاريخ لاحق، ويحصل على نفس الأجل الذي منحه لتاجر التجزئة وتسديدا للدين المترتب في ذمته يعمد إلى سحب كمبيالة على مدينة تاجر التجزئة بمبلغ 20.000 درهم لفائدة المنتج وتكون مستحقة الوفاء بعد أربعة أشهر من تاريخ تحريرها، وبهذه العملية يكون تاجر الجملة ساحبا tireur ، وتاجر التجزئة مسحوبا عليه tiré والمنتج مستفيدا Bénéficiaire .
وإذا احتاج المنتج إلى النقود من اجل شراء المواد التي هو في حاجة إليها فإنه يستطيع تظهيرها إذا كانت إذنية، كما أنه يستطيع نقل الحق الثابت فيها عن طريق المناولة اليدوية إذا كانت للحامل
وقد تنتقل الكمبيالة من يد إلى يد إلى أن يحل تاريخ استحقاقها أي عند انتهاء مدة الأربعة أشهر من تاريخ تحريرها حيث يتقدم الحامل الأخير من أجل استيفاء مبلغها.
والجدير بالذكر أن الخصم زاد من أهمية الكمبيالة، باعتبارها أداة ائتمان تجاري، وقد ظهر على يد باترسون Patterson مؤسس بنك إنجلترا في لندن في أواسط القرن السابع عشر. لقد كانت النقود المودعة لدى البنوك توظف في شراء البضائع. وبما أن بائعي هذه البضائع كانوا عوض أن يحققوا ربحا كانوا يحققون خسارة فقد شرع في توظيف هذه النقود في شراء الكمبيالات التي تكون مستحقة الوفاء بعد آجال قصيرة والتي كان البائعون يسحبونها على المشترين. وكان البنك الذي يشتري هذه الكمبيالات، يقتطع ” نسبة معينة من قيمتها. وتسمى هذه العملية بالخصم l’escompte وإذا احتاج البنك إلى الأموال قبل حلول تاريخ استحقاق الكمبيالات التي اشتراها فإنه يستطيع خصم هذه الكمبيالات لدى بنك – آخر وهذا ما يسمى بإعادة الخصم.
ولا جدال في أن الخصم أعطی دفعة قوية للنشاط التجاري، إذ أنه مكن التجار من تعبئة ديونهم عوض الانتظار إلى حين حلول تاريخ استحقاق الكمبيالات التي بحوزتهم.
وقد أصبحت الكمبيالة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أداة ائتمان مالي Effet de mobilisation بالإضافة إلى كونها أداة ائتمان تجاري، فقد وظف الخصم في تعبئة الاعتمادات المصرفية من قبل هنري جرمان مؤسس بنك الاعتماد اليوني، وهكذا أصبح في إمكان الكمبيالة أن تكون ورقة تجارية أو أن تكون ورقة مالية صرفية Papier financier لتعبئة الائتمان المالي ونتيجة لذلك أصبحت البنوك التي تقدم قروضا إلى المتعاملين معها تستطيع أن تسحب عليهم كمبيالات بمبلغ القروض التي أخذوها إلى أجل، وتكون هذه الكمبيالات قابلة للخصم مثلها مثل الكمبيالات التي توظف كأداة ائتمان تجاري. ”
وهكذا وبفضل الخصم أصبح في الإمكان تعبئة الديون المترتبة التجار على زبنائهم وكذلك الديون المترتبة للبنوك على المقترضين، وسواء استعملت الكمبيالة كأداة ائتمان تجاري أو بأداة ائتمان مالي فإن النظام القانوني الذي تخضع له لا يتغير.
المبحث الثاني: إنشاء الكمبيالة
من أجل إنشاء كمبيالة يعتد بها قانونا لابد من توافر شروط موضوعية وشروط شكلية.
الفرع الأول: الشروط الموضوعية Les conditions de fond
الشروط الموضوعية اللازمة لصحة الكمبيالة هي نفس الشروط اللازمة الصحة التصرفات القانونية وهي الرضا والمحل والسبب.
المطلب الأول: الأهلية
لكي يعتبر الرضا صحيحا يجب أن يصدر عن شخص متمتع بالأهلية المتطلبة للالتزام بالكمبيالة، ويعتبر الشخص اهلا للتوقيع على الكمبيالة إذا بلغ سن الرشد القانوني غير مصاب بعارض من عوارض الأهلية24مكرر، أما بالنسبة للقاصر فإنه يجب حسب مدونة التجارة التمييز بين ما إذا كان تاجرا أو غير تاجر. فأما بالنسبة للقاصر غير التاجر mineur non commerçant فإن توقيعه على الكمبيالة يجعلها باطلة تجاهه، أما الأطراف الأخرى فإنهم يحتفظون بحقوقهم وفق القانون العادي، أي الحقوق المحددة في ق.ل.ع.م، وبعبارة أخرى فإن القاصر يتحلل بعد البطلان من أي التزام، بل إنه يبقى ملتزما في حدود النفع الذي عاد غليه من الالتزام, ويعتبر أن هناك نفع إذا أنفق ناقص الأهلية ما تسلمه في المصروفات الضرورية أو النافعة أو إذا كان هذا الشيء لا زال موجودا في ماله وذلك تطبيقا المادة التاسعة من ق.ل.ع.م. التي ورد فيها ما يلي: “القاصر وناقص الأهلية يلتزمان دائما، بسبب تنفيذ الطرف الآخر التزامه، وذلك في حدود النفع الذي يستخلصانه من هذا التنفيذ، ويكون هناك نفع إذا أنفق ناقص الأهلية الشيء الذي تسلمه في المصروفات الضرورية أو النافعة أو إذا كان هذا الشيء لا زال موجودا في ماله”, ويحق للصغير في هذه الحالة أن يحتج بالبطلان حتى في مواجهة الحامل حسن النية، ومرد ذلك أن حماية القاصر تعطى لها الأولوية على إعمال قاعدة عدم – التمسك بالدفوع- ولا يجوز للموقعين الآخرين أن يحتجوا بالبطلان وذلك تطبيقا لمبدأ استقلال التوقيعات,
وإذا وقعت الكمبيالة من طرف قاصر تاجر Un mineur commerçant فإنها تعتبر صحيحة بالنسبة إليه إذا توافرت الشروط الموضوعية والشكلية الأخرى. ولكي يصبح القاصر تاجرا، وبالتالي يستطيع التوقيع على الكمبيالة يجب أن ينال الترشيد، وإذا لم يبلغ السادسة عشرة من عمره ولكنه كان مميزا27مكرر فإنه يمكن أن يتسلم قدرا من أمواله لإرادته بقصد اكتساب التجربة، ويعتبر كامل الأهلية في حدود الإذن الممنوح له.
غير أنه لا يكفي الاعتبار القاصر تاجرا، وبالتالي يستطيع التوقيع على الكمبيالة أن ينال الترشيد أو يحصل على الإذن من الولي أو من القاضي، وإنما يجب أن يمارس الأنشطة التجارية المنصوص عليها في المادتين 6 و7 أو الأنشطة التي تماثلها على سبيل الاعتياد أو الاحتراف.
وإذا بلغ القاصر سن الرشد جاز له أن يبدي موافقته الصريحة أو الضمنية على الالتزام بالكمبيالة التي سبق له أن وقعها عندما كان قاصرا، ويعتبر تصرفه في هذه الحالة صحيحا.
أما فاقد الأهلية فلا يجوز له أن يوقع على الكمبيالة. فإذا فعل فإن الكمبيالة تعتبر باطلة بطلانا مطلقا، غير أنها تبقى صحيحة بالنسبة للموقعين الأخرين.
ولا يجوز أن يحتج بهذا البطلان كل من كانت له مصلحة في ذلك وذلك خلافا للقواعد العامة في البطلان التي تجيز لكل ذي مصلحة التمسك به.
لكن هل يحق للمحكوم عليه بسقوط الأهلية التجارية في إطار مساطر المعالجة من الصعوبات، أو التصفية القضائية أن يوقع على الكمبيالة؟
يمكن القول أن المحكوم عليه بسقوط الأهلية التجارية في الحالتين المشار إليهما أعلاه لا يحق له التوقيع على الكمبيالة لأن الكمبيالة تعتبر عمالا تجاريا منفردا ومطلقا وبالتالي فإنه يشترط للتوقيع عليها أن يكون الموقع (سواء كان ساحبا أو مسحوب عليه أو مظهرا أو ضامنا احتياطيا) متمتعا بالأهلية التجارية، فقد نصت المادة التاسعة من مدونة التجارة على ما يلي:
“يعد عملا تجاريا بصرف النظر عن المادتين 6 و7
*- الكمبيالة؛
*- السند لأمر الموقع ولو من غير تاجر، إذا ترتب في هذه الحالة عن معاملة تجارية”.
غير أن أستاذنا أحمد شكري السباعي يقترح حلا ربما فيه رأفة بالمحكوم عليه، فهو يرى أن سقوط الأهلية التجارية عند الحكم بفتح مسطرة المعالجة يتعلق بالحرمان من ممارسة الأنشطة التجارية المنصوص عليها في المواد 6 و7 و8 على وجه الاعتياد أو الاحتراف لكن الحرمان لا يشمل ممارسة عمل تجاري عارض ومطلق كالتوقيع على الكمبيالة. وعلى هذا الأساس فإن توقيع المحكوم عليه على الكمبيالة التي لها علاقة بالمقاولة (كالتدبير والتسيير والإدارة) يعتبر باطلا استنادا إلى سقوط أهليته التجارية، أما إذا كان التوقيع على الكمبيالة لا علاقة له بالمقاولة و إنما له علاقة بالحياة الشخصية للمحكوم عليه فإنه يعتبر صحيحا ما دام لم يعد هناك أي فرق بين الأهلية المدنية والأهلية التجارية.
المطلب الثاني: المحل والسبب
محل الالتزام في الكمبيالة يكون دائما مبلغا من النقود، ويعتبر هذا الالتزام دائما ممكنا، وهو بحكم طبيعته مشروعا، ولذلك فإنه لا يتصور أن يكون هذا المحل باطلا لاستحالته أو عدم مشروعيته. أما السبب فهو الدافع الذي يكمن وراء سحب الكمبيالة ولا يلزم الساحب بذكر سبب سحبها عليها، وإذا ذكر فإنه يفترض أن السبب الذي ذكر هو السبب الحقيقي اللهم إلا إذا ثبت العكس ورغم أن هذا البيان يعتبر من البيانات الاختيارية، إلا أنه من المتفق عليه أن السبب الحقيقي لسحب الكمبيالة يجب أن يكون غير مخالف للنظام العام والأخلاق الحميدة، ويفترض أن السبب مشروع، وعلى من يدعي العكس أن يثبت ذلك، وهو حر في اعتماد جميع وسائل الإثبات بما في ذلك البينة والقرائن وإذا هو أقام الدليل على عدم مشروعية السبب جاز له أن يحتج بالبطلان في مواجهة دائنه المباشر, غير أنه لا يمكن أن يحتج بذلك في مواجهة الحامل حسن النية لأن ذلك يتعارض مع الأسس التي يقوم عليها قانون الصرف.
الفرع الثاني: الشروط الشكلية Conditions de forme
يعتد في ميدان قانون الصرف بالشكل – والكمبيالة كباقي الأوراق التجارية الأخرى – تعتبر من الأعمال الشكلية أي أنه لا يعتد بها قانونا إلا إذا أخذت الشكل الذي ينص عليه القانون، وعليه فإن الشروط الموضوعية السابقة تعتبر غير كافية لقيام كمبيالة صحيحة، بل يجب أن تكون الكمبيالة متضمنة للبيانات الإلزامية التي نص عليها القانون، فإذا لم تتضمن هذه البيانات أو بعضها أو إحداها فإنها تعتبر باطلة، وبالتالي لا يصدق عليها وصف كمبيالة.
وتنقسم البيانات التي ترد على الكمبيالة إلى بيانات إلزامية وبيانات اختيارية.
المطلب الأول: البيانات الإلزامية Les mentions essentielles obligatoires de la lettre de change
لا تكفي الكتابة لوحدها من أجل قيام كمبيالة صحيحة من الناحية القانونية، فرغم أنها تعتبر ضرورية لوجود الكمبيالة وليست أداة للإثبات فحسب، إلا أن الكمبيالة يجب أن تكون متضمنة للبيانات الإلزامية، وفي هذا الإطار نصت المادة 159 من مدونة التجارة على ما يلي:
” تتضمن الكمبيالة البيانات التالية:
1 – تسمية “كمبيالة” مدرجة في السند وباللغة المستعملة للتحرير
2- الأمر الناجز بأداء مبلغ معين
3 – اسم من يلزمه الوفاء (المسحوب عليه)
4- تاريخ الاستحقاق
5- مكان الوفاء
6- اسم من يجب الوفاء له أو لأمره
7- تاريخ ومكان إنشاء الكمبيالة
8-اسم وتوقيع من أصدر الكمبيالة (الساحب)
وسوف نتعرض لكل بيان من هذه البيانات بالشرح.
1- تسمية “كمبيالة” في نص السند ذاته: “
من بين البيانات الإلزامية التي أوجب القانون ذكرها على الكمبيالة تسمية “كمبيالة”، ويجب أن تكون هذه التسمية مدرجة في نصن السند ذاته، وبنفس اللغة التي حررت بها الكمبيالة.
وإذا كان القانون قد أوجب ذكر كلمة “كمبيالة” على ذات الصك فذلك من أجل إثارة انتباه المتعاملين إلى طبيعة التصرف، وإلى أنهم سيخضعون للمقتضيات القانونية الخاصة بالكمبيالة، وكذلك من أجل تمييز هذا السند عن غيره من السندات.
ويجب أن تذكر كلمة “كمبيالة” في متن السند أي في صلبه ومتن السند يقصد به بالدرجة الأولى عبارة الأمر المطلق، بحيث تذكر هذه الكلمة قبل هذه العبارة أو بعدها وذلك حتى يكون الموقع عليها يعلم علم اليقين أنه يوقع على كمبيالة، وعليه فإن ذكر هذه الكلمة في مكان أخر يعتبر غير كاف.
وتحرر تسمية كمبيالة بنفس اللغة التي حررت بها الكمبيالة ،ويمكن ان تكتب بلغتين مختلفتين كما هو الحال في النماذج المسلمة من طرف الأبناك ,
2- الأمر المطلق بأداء مبلغ معين من النقود:
تلعب الكمبيالة في المعاملات التجارية دورا شبيها بدور النقود، ولذلك فإنها تحل محلها في كثير من الأحيان، ولكي تتمكن من أداء هذا الدور بفعالية فإنه يجب أن يكون مبلغها تحت تصرف الدائن أي لأمره, ويجب أن يكون هذا الأمر ناجزا (مطلقا)، أي غير مقترن بشرط واقف أو فاسخ، كما أنه لا يجب أن يكون معلقا على أجل غير معين، ذلك أن الشرط أو الأجل غير المعين يعيقان تداول الكمبيالة ويحولان دون خصمها, ويجب بالإضافة إلى ما سبق أن يكون الأمر منصبا على دفع مبلغ معين من النقود، وبعبارة أخرى لا يجب أن يكون هذا المبلغ مرتبطا بعنصر خارجي لأن هذا يتعارض مع مبدأ الكفاية الذاتية. ولا يجب أن يكون محل الالتزام تسليم شيء معين لأن الكمبيالة التي تتضمن أمرا من هذا القبيل تفقد صفتها ككمبيالة وتعتبر باطلة.
ويجب أن يحدد مبلغ الكمبيالة بكفاية بحيث يمكن معرفته بمجرد الاطلاع على السند، ولذلك فقد قضى القانون المغربي بكتابته بالأرقام أو بالحروف، وقد، جرت العادة في بلادنا على كتابته بالأرقام والحروف حيث يكتب بالأرقام في أعلى الورقة وبالحروف في صلبها ولا شك أن كتابة المبلغ بالصورتين معا يجعل التزوير أمرا في غاية الصعوبة. وإذا كان هناك اختلاف بينهما فإن المبلغ المكتوب بالحروف هو الذي يعتد به، وإذا كان هذا المبلغ محررا عدة مرات إما بالحروف أو بالأرقام فإنه عند الاختلاف يعتد بأقل مبلغ.
وإذا كانت الكمبيالة مستحقة بمجرد الاطلاع أو بعد مدة من الاطلاع، جاز للساحب اشتراط الفائدة مع تعيين سعرها على ذات الكمبيالة، وتحسب الفائدة ابتداء من تاريخ إنشاء الكمبيالة اللهم إلا إذا
3– اسم المسحوب عليه Le tiré
تتضمن الكمبيالة أمرا صادرا من الساحب إلى المسحوب عليه، فالمسحوب عليه يعتبر إذن واحدا من أشخاص الكمبيالة الثلاثة، وهو الذي يصدر إليه الأمر من الساحب بدفع قيمة الكمبيالة لأمر المستفيد، غير أنه لا يلتزم بوفائها إلا إذا وقع عليها بالقبول، ويقصد باسم المسحوب عليه ذكر المعلومات التي تجعل معرفته أمرا سهلا وتحول دون الخلط بينه وبين شخص آخر، أي أن شخصيته تكون محددة بصورة كافية. ومن هذه المعلومات: الاسم العائلي والاسم الشخصي والعنوان والمهنة.
ويجوز أن تسحب الكمبيالة على عدة أشخاص، وفي هذه الحالة فإن الحامل يكون مطالبا بالتوجه إليهم جميعا سواء من أجل القبول أو من أجل الوفاء.
ويجوز أن تسحب الكمبيالة على الساحب نفسه -Tirage sur soi même وفي هذا فائدة عملية كبيرة بالنسبة للبنوك والشركات التي لها عدة فروع حيث يمكن سحب الكمبيالة من المركز على الفرع أو العكس. وما كان لهذه العملية أن تتم لو لم يكن سحب الكمبيالة على الساحب نفسه أمرا جائزا.
ولا يجوز أن يكون اسم المسحوب عليه المدرج على الكمبيالة وهميا لأن في ذلك مسا خطيرا بالثقة، ولذلك فإن الساحب يعتبر في هذه الحالة مرتكبا لجريمة النصب وهو عمل معاقب عليه جنائيا. وفقا لمقتضيات الفصل 540 من مجموعة القانون الجنائي المغربي,
4– تاريخ الاستحقاق:
ميعاد استحقاق الكمبيالة هو يوم حلول أجل وفائها ولهذا البيان أهمية كبيرة لأن الحامل يستطيع فيه اقتضاء مبلغها. ونظرا لأهميته فإنه لا يجب أن يكون معلقا على شرط واقف أو فاسخ، أو أن يكون مقترنا بأجل غير معين كوفاة شخص معين مثلا. وكما أن مبلغ الكمبيالة يكون واحدا فكذلكبالنسبة لتاريخ استحقاقها، فلا يجوز أن تتضمن مواعيد استحقاق متعاقبة لأن من شأن هذا أن يعيق تداولها لما يثيره من بلبلة وشك.
ويعين تاريخ استحقاق الكمبيالة بطرق مختلفة، فقد نصت المادة 181 من مدونة التجارة على ما يلي:
“يجوز سحب الكمبيالة على الوجوه التالية :
– بمجرد الاطلاع ” a vue “
– بعد مدة من الاطلاع a un certain délai de vue
– بعد مدة من تاريخ التحرير a un certain délai de date
– في تاريخ معين ajour fixe
– تكون الكمبيالة التي يعلق سحبها على أجال أخرى أو آجال متعاقبة باطلة “.
وإذا لم يعين تاريخ الاستحقاق في الكمبيالة فإنها تعتبر مستحقة بمجرد الاطلاع.
5– مكان الأداء Le lieu de paiement
مكان الأداء هو المكان الذي يطالب فيه الحامل المسحوب عليه بوفاء مبلغ الكمبيالة، ولذلك فقد أوجب القانون ذكره على الكمبيالة، ويجب أن يكون هذا المكان معروفا وحقيقيا حتى يستطيع الحامل الوصول إليه دون عناء خصوصا إذا كان بعيدا عنه, غير أن الكمبيالة التي لا تتضمن مكانا للأداء لا تعتبر باطلة وإنما تكون واجبة الدفع في محل المسحوب عليه وذلك تطبيقا للفقرة الثالثة من المادة 160 من مدونة التجارة التي ورد فيها ما يلي: ” إذا لم يعين مكان الوفاء، فإن المكان المبين بجانب اسم المسحوب عليه يعد مكانا للأداء، وفي الوقت نفسه موطنا للمسحوب عليه ما لم يرد في السند خلاف ذلك”. وإذا لم يوجد مكان بجانب اسم المسحوب عليه يخل محل مكان الأداء فإن الكمبيالة لا تعتبر باطلة وإنما تعتبر مستحقة الأداء في المكان الذي يمارسن فيه المسحوب عليه نشاطه أو في موطنه، فقد نصت الفقرة الرابعة من المادة 160 من مدونة التجارة على ما يلي: “إذا لم يعين مكان بجانب اسم المسحوب عليه، يعتبر مكانا للوفاء المكان الذي يزاول فيه المسحوب عليه نشاطه أو موطنه” وقد يكون مكان الأداء مكان آخر غير محل المسحوب عليه فقد أجاز المشرع الاتفاق على الوفاء في مكان آخر يسمى المحل المختار Domiciliation وذلك تطبيقا للفقرة الأخيرة من المادة 161,من مدونة التجارة التي ورد فيها ما يلي : “يجوز أن تكون الكمبيالة قابلة للأداء في موطن الغير سواء في الموطن الذي يقيم فيه المسحوب عليه أو في موطن آخر”.
ويجوز أن يكون المحل المختار إما مكان أحد البنوك أو أحد الأشخاص العاديين، غير أنه في الميدان العملي غالبا ما يكون بنكا من البنوك يتعامل معه المسحوب عليه، وبذلك يكون وفاء مبلغ الكمبيالة أيسر وأسهل وصاحب المحل المختار على هذا الأساس ليس هو المسحوب عليه، وإنما هو مجرد وكيل عنه يقوم بوفاء مبلغ الكمبيالة.
6– اسم المستفيد Le nom du bénéficiaire
أوجب القانون ذكر اسم المستفيد على الكمبيالة، والمستفيد هو الشخص الذي يقع الوفاء له أو لأمره، وهو أول دائن في الكمبيالة، وتعتبر الكمبيالة التي لا تتضمن اسم المستفيد باطلة، ويجب أن يذكر اسمه بطريقة نافية للجهالة، ويجوز أن يكون المستفيد شخصا طبيعيا كما يجوز أن يكون شخصا اعتباريا، ويمكن أن يكون شخصا واحدا أو عدة أشخاص.
ولا يجوز استنادا إلى الفقرة السادسة من المادة 159 سحب الكمبيالة للحامل all porteur وذلك خلافا لما ذهبت إليه بعض التشريعات كالتشريع التجاري المصري الذي أجاز سحب الكمبيالة للحامل.
وتسحب الكمبيالة عادة لفائدة شخص غير الساحب، إلا أنه ليس هناك ما يمنع من سحب الكمبيالة لأمر الساحب نفسه فتكون الصيغة الواردة عليها كالآتي:
“ادفعوا لي أو لأمري… الخ.”.
وهناك فوائد عملية كثيرة تتحقق من وراء سحب الكمبيالة لأمر الساحب نفسه، ولا شك أن هذه الفوائد هي التي دفعت المؤتمرين في جنيف إلى إقرار سحب الكمبيالة بهذه الطريقة.
7– تاريخ ومكان إنشاء الكمبيالة:
تطبيقا للفقرة السابعة من المادة 159 من مدونة التجارة يعتبر تاريخ ومکان إنشاء الكمبيالة من البيانات الإلزامية، فأما بالنسبة لتاريخ إنشاء الكمبيالة فلا شك انه يكتسي أهمية كبيرة لأنه يساعدنا على معرفة ما إذا كان الساحب عند سحبه للكمبيالة كامل الأهمية أو ناقصها أو عديمها، وتظهر أهمية هذا التاريخ أيضا بالنسبة للكمبيالة المستحقة بعد مدة من تاريخ إنشائها، وفي احتساب المدة التي تجب أن تراعي بشأن تقديم الكمبيالة للقبول أو الوفاء، وفي معرفة تاريخ استحقاق الكمبيالة,
المستحقة الوفا ءبمجرد الاطلاع وتاريخ تقديم الكمبيالة المستحقة بعد مدة من الاطلاع للقبول وفي احتساب مدة التقادم. وإذا سحبت عدة كمبيالات على مقابل وفاء واحد فإن تاريخ الإنشاء يعتمد لتحديد الكمبيالة التي تكون لها الأولوية، وهي التي تكون ذات تاريخ إنشاء أسبق، ويفيد تاريخ الإنشاء أيضا في معرفة ما إذا كانت الكمبيالة قد سحبت خلال فترة الريبة أم لا، وتعتبر التصرفات التي يقوم بها المحكوم عليهم باطلة بطلانا وجوبيا أو جوازيا في مواجهة الدائنين.
8– اسم وتوقيع الساحب
*اشترط المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 159 من مدونة التجارة أن تتضمن الكمبيالة اسم وتوقيع الساحب . إن الساحب هو المنشئ أو المصدر للكمبيالة، وهو يلتزم بدفع مبلغها إذا لم يقبلها أو لم يدفع مبلغها المسحوب عليه في ميعاد الاستحقاق، وعليه فإن هذا البيان يعتبر من الأمور البديهية وتكتسب الكمبيالة قوتها من توقيع الساحب عليها ويمكن القول ان حياة الكمبيالة تبتدئ من تاريخ هذا التوقيع، فهو مصدر حياتها، وبه يظهر أول ضامن للقبول والوفاء. ويكتسي هذا التوقيع أهمية كبيرة من ناحية أخرى إذ بدونه لا يمكن للكمبيالة كورقة تجارية أن تقوم بوظيفتها.
وإذا كان توقيع الساحب على الكمبيالة يكتسي كل هذه الأهمية إلا أن الإشكال يكمن في تحديد معناه، فقد اختلف الفقه والقضاء حول ما إذا كان يقصد به الإمضاء بخط اليد كتابة، أم أنه يجب التوسع في مفهومه بحيث يشمل أيضا ختم توقيعه وبصمة أصابعه. وقد اشترط قانون جنيف الموحد أن يكون التوقيع كتابة بخط يد الساحب. أما التوقيع بطريقة أخرى فلا ينتج عنه أثر قانوني، غير أن واضعي قانون جنيف الموحد لم يكن بمقدورهم تجاهل الأعراف المرعية في بعض البلدان، ولذلك فقد ذهبوا إلى أن كلمة توقيع يجب أن تؤخذ بمفهومها الواسع بحيث تشمل بصمات الأصابع على الكمبيالة إذا كان العرف الجاري به العمل في البلد بسمح باستخدامها بالنسبة للسندات والأوراق التجارية. ونظرا لأن الأمية ما زالت منتشرة في كثير من الدول فقد أخذ واضعوا قانون جنيف الموحد هذا المعطى بعين الاعتبار فتركت المادة الثانية من الملحق الثاني الخاص بالتحفظات للدول الموقعة على المعاهدة الحرية في اعتماد طرق أخرى في التوقيع.
غير التوقيع بخط اليد بشرط أن توثق الكمبيالة في هذه الحالة وذلك بقصد التحقق من صحة التوقيع.
وإذا نحن رجعنا إلى مدونة التجارة المغربية فإننا لا نجد فيها نصا يشير إلى أن التوقيع يجب أن يكون خطيا أو غير خطي ذلك أن العبارة الواردة في الفقرة الأخيرة من المادة 159 من هذه المدونة جاءت عامة، ولذلك فإنه يجب الرجوع إلى الأصل، أي التوقيع كتابة. وينطبق هذا ليس فقط على الساحب وإنما أيضا على المظهرين والضامنين الاحتياطيين والمسحوب عليه. ومع ذلك فإنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن التوقيع بخط اليد La signature manuscrite قد لا يساير شيوع وانتشار الأوراق التجارية، والإكراهات التي يفرضها العدد الهائل من الكمبيالات التي يواجهها مدراء الشركات، أضف إلى ذلك أن اعتماد وسائل أخرى التوقيع لا يتعارض مع قانون جنيف الموحد، وهو بالإضافة إلى ذلك يستجيب المتطلبات العصر، وينسجم مع طبيعة التجارة والنظام البنكي وما ذهبت إليه كثير من الدول.
ويجب أن يكون التوقيع واضحا وحقيقيا بحيث يدل على أنه صادر عن ساحب الكمبيالة. ويجب -سيرا على العادة الجاري بها العمل- أن يوضع مع الاسم الكامل في أسفل الكمبيالة .
وحتى وإن كانت مدونة التجارة لم تشر إلى المكان الذي يجب أن يوضع فيه التوقيع، هل على وجه الكمبيالة أو على ظهرها إلا أنه مما لا شك فيه أنه يجب من حيث الأصل أن يرد على وجه الكمبيالة وذلك تمييزا له عن التظهير. ويفهم من هذا أن التوقيع يجب أن يدرج على ذات الكمبيالة وليس على الوصلة أو الطابع الضريبي timbre fiscal لاحتمال زواله بزوال الطابع.
9- سحب الكمبيالة بواسطة وكيل.
يتم اللجوء في كثير من الأحيان إلى سحب الكمبيالة بواسطة الوكيل، كما لو سحبت من قبل وكيل نيابة عن مدير شركة. ويجب أن يشار في الكمبيالة في هذه الحالة إلى ما يفيد الوكالة وذلك حماية للغير حسن النية.
وتختلف مسؤولية الوكيل إزاء الموكل (الأصيل) بحسب ما إذا كان قد سحب الكمبيالة بناء على تفويض أم لا. فإذا كان قد سحب الكمبيالة بناء على تفويض من الموكل فإن آثار الكمبيالة تنصرف إلى ذمة الموكل. أما إذا لم يكن للوكيل تفويض بسحب الكمبيالة، فإنه يلتزم شخصيا بموجبها وذلك تطبيقا لما ورد في الفقرة الثالثة من المادة 164 من مدونة التجارة.
ويسأل الوكيل شخصيا كذلك إذا سحب كمبيالة متجاوزا حدود الصلاحيات المخولة له من قبل الموكل وذلك تطبيقا للفقرة الأخيرة من المادة 164 من مدونة التجارة.
ويعتبر الساحب (الوكيل) في الحالتين ملتزما صرفيا وبالتالي فإنه يعتبر ضامنا القبول والوفاء في مواجهة الحملة ودون تمييز بينهم على أساس سوء النية أو بحسنها.
والجدير بالذكر أن سحب الكمبيالة نيابة عن شخص معنوي يختلف عن سحب الكمبيالة نيابة عن شخص طبيعي، فإذا كان السحب نيابة عن الشخص الطبيعي يقوم على نظرية الوكالة الظاهرة La théorie du mandat apparent فإن سحب الكمبيالة نيابة عن الشخص المعنوي يرتكز على القانون، وتعتبر التصرفات التي يجريها الممثل القانوني للشركة ملزمة لها في مواجهة الغير حسن النية وذلك بغض النظر عما إذا كان النائب عن الشخص المعنوي قد تصرف في حدود النيابة أو أنه تجاوزها، ومرد ذلك أن سحب الكمبيالة من قبل ممثل الشركة لا يحتاج إلى تفويض خاص لأنه يدخل ضمن أعمال الإدارة.
وبعبارة أوضح فإن الأسبقية في التطبيق في كل ما يتعلق بإدارة الشركة تعطى للقواعد المنظمة لإدارة الشركات على حساب قواعد قانون الصرف وذلك تطبيقا للقاعدة العامة التي تقضي بأن النص الخاص أولى بالتطبيق من النص العام.
10- سحب الكمبيالة لحساب الغير Tirage pour le comte d’un tiers
قد تسحب الكمبيالة لحساب الغير، وفي هذه الحالة لا يعلم من سحبت لفائدته أن ساحب الكمبيالة (الساحب الظاهر) إنما فعل ذلك تنفيذا لأمر شخص آخر هو الساحب الحقيقي. ويرتبط الساحب الظاهر بالساحب الحقيقي إما بمقتضى وكالة عادية، أو وكالة بالعمولة Un contrat de commission ويعتبر الساحب لحساب الغير هو الساحب الحقيقي، وبالتالي فإنه يعتبر مسؤولا عن وفاء مبلغ الكمبيالة في مواجهة المستفيد والحملة اللاحقين. أما الأمر بالسحب فإنه لا يعتبر مسؤولا صرفيا في مواجهة حاملي الكمبيالة لأنه لم يوقع عليها، وعليه فإنه لا يمكن أن يتابع صرفيا، وتخضع علاقة الأمر بالسحب بالمسحوب عليه للقواعد التي تطبق على الكمبيالة لأنه يعتبر هو الساحب الحقيقي، أما علاقة الساحب الظاهر بالأمر بالسحب فتخضع للقواعد المنظمة للوكالة.
وإذا أدى المسحوب عليه مبلغ الكمبيالة دون أن يكون قد تلقى مقابل الوفاء فإن من حقة الرجوع على الأمر بالسحب لا الساحب الظاهر.
المطلب الثاني: البيانات الاختيارية
إضافة إلى البيانات الشكلية الإلزامية التي سبق عرضها، هناك صنف آخر من البيانات اصطلح على تسميته بالبيانات الاختيارية. والبيانات الاختيارية هي البيانات التي يدرجها الأطراف على الكمبيالة بمحض اختيارهم والتي ينبغي ألا تتعارض مع طبيعة الكمبيالة أي أن لا تكون مخالفة للقانون الذي ينظمها وان لا تتعارض مع النظام العام والأخلاق الحميدة، وأن لا يكون لها أي تأثير على الكفاية الذاتية للكمبيالة.
*وتقسم البيانات الاختيارية إلى نوعين: النوع الأول لا يؤثر على الالتزام الصرفي، والنوع الثاني يؤثر فيه.
أولا: البيانات الاختيارية التي لا تؤثر على الالتزام الصرفي
يدخل ضمن هذا النوع من البيانات حسب ما شائع شرط مقابل الوفاء، واشتراط الفائدة، وشرط وصول القيمة، وشرط إخطار المسحوب عليه أو عدم إخطاره، وشرط السحب بنظير واحد.
1- شرط مقابل الوفاء La provision
ويقصد بهذا الشرط تبيان الساحب للمسحوب عليه سبب توجيه الأمر إليه بأداء مبلغ الكمبيالة، فهذا الشرط إذن له صلة بالعلاقة القائمة بين الساحب والمسحوب عليه.
2- شرط الفائدة
نصت المادة 162 من مدونة التجارة على ما يلي: ” يجوز لساحب كمبيالة مستحقة الأداء بمجرد الاطلاع أو بعد مدة من الاطلاع أن يشترط فائدة على مبلغ الكمبيالة. ويعتبر هذا الشرط غير موجود في أنواع الكمبيالات الأخرى.
*يجب تعيين سعر الفائدة في الكمبيالة وإلا أعتبر هذا الشرط كأن لم يكن.
- يسحب سريان الفوائد ابتداء من تاريخ إنشاء الكمبيالة ما لم يعين تاريخ آخر”.
3– شرط وصول القيمة Clause de valeur fournie
ويعبر عن هذا الشرط بعبارة “القيمة وصلت”، ويراد بإدراج هذا الشرط على الكمبيالة تبيان السبب الذي دفع الساحب إلى سحب الكمبيالة لفائدة المستفيد والذي قد يكون مثلا شراء سلعة من المستفيد ودفع ثمنها بواسطة الكمبيالة. وعليه فإن لهذا البيان صلة بعلاقة السناجب بالمستفيد. وكما يذكر هذا البيان من قبل الساحبة فإنه يمكن أن يذكر أيضا من قبل المظهر وذلك للتعبير عن السبب الذي دفعه إلى تظهير الكمبيالة لفائدة المظهر إليه.
4– شرط إخطار المسحوب عليه أو عدم إخطاره clause suivant avis ou sans avis
إذا تضمنت الكمبيالة شرط إخطار المسحوب عليه فإن المسحوب عليه يستطيع قبول أو وفاء الكمبيالة قبل توصله بإشعار من الساحب.
وإذا تضمنت الكمبيالة شرط عدم الإخطار فإن المسحوب عليه يستطيع قبول أو وفاء الكمبيالة دون انتظار توصله بإخطار من الساحب.
5– شرط السحب بنظير واحد Clause seul de change
*عندما يدرج الساحب على الكمبيالة أنها سحبت بنظير واحد وليس بعدة نظائر فإنه لا يعود من حق الحامل المطالبة بتسليمه نظائر أخرى، فقد جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 222 من مدونة التجارة ما يلي: “يجوز لكل حامل كمبيالة لم يرد فيها أنها سحبت بنظير واحد أن يطلب تسليم نظائر متعددة على نفقته”.
ثانيا: البيانات الاختيارية التي تؤثر على الالتزام الصرفي
يندرج هذا النوع من البيانات على الكمبيالة بمحض اختيار الأطراف، ويختلف هذا النوع من البيانات عن النوع الأول في أنه يؤثر على بعض الخصائص المميزة للكمبيالة. ومن بين هذه البيانات نذكر ما يلي: شرط المحل المختار، وشرط الرجوع بدون مصاريف، وشرط عدم الضمان، وشرط عدم تقديم الكمبيالة للقبول وشرط التقديم الإلزامي للقبول، وشرط ليست الأمر.
1- شرط المحل المختار clause de domiciliation
قد تسحب الكمبيالة على شخص ولكن وفاءها يتم لدى شخص آخر، أو في مكان آخر اصطلح على تسميته “بالمحل المختار” فقد يكون المكان الذي يسكنه المسحوب عليه بعيدا، ورغبة من الساحب في تسهيل تداول الكمبيالة يعمد إلى اشتراط وفائها في مكان قريب. غير أنه لا يشترط من أجل إدراج هذا الشرط على الكمبيالة أن يكون موطن المسحوب عليه بعيدا، فقد يكون الغير الذي اختير لوفاء الكمبيالة مقيما في موطن المسحوب عليه، كما لو كان بنكا، أو شركة، أو شخصا طبيعيا، ويجوز للمسحوب عليه أيضا وضع هذا الشرط على الكمبيالة عند التوقيع عليها بالقبول. وسواء وضع هذا الشرط من قبل الساحب أو من قبل المسحوب عليه، فإن من واجب الحامل الأخير للكمبيالة أن يتقدم إلى الشخص المعين في هذا المحل من أجل استيفاء مبلغها، وإذا امتنع عن الأداء وجب عليه (أي الحامل) تحرير الاحتجاج في هذا المحل.
2– شرط الرجوع بدون مصاريف clause de retour sous frais
يجوز للساحب أو المظهر أو الضامن الاحتياطي إعفاء المستفيد أو الحامل من مصاريف إقامة الاحتجاج في حالة عدم القبول أو الأداء، وبالتالي يتمكن من الرجوع على الضامنين دون إقامة الاحتجاج، فقد نصت المادة 200 من مدونة التجارة في فقرتيها الأولى والثانية على ما يلي:
” يجوز للساحب ولأي مظهر أو ضامن احتياطي أن يعفي حامل الكمبيالة عند مباشرة حقه في الرجوع من إقامة احتجاج عدم القبول أو احتجاج عدم الأداء إذا كتب على الكمبيالة شرط “الرجوع بدون مصاريف” أو “بدون احتجاج” أو أي شرط مماثل مذيل للتوقيع.
لا يعفي هذا الشرط حامل الكمبيالة من تقديمها داخل الآجال المعينة ولا من الإعلامات الواجب عليه توجيهها…”.
وإذا وضع هذا الشرط من قبل الساحب فإن مفعوله يسري على جميع الموقعين، أما إذا وضع من قبل أحد المظهرين أو الضامنين الاحتياطيين فإن مفعوله يسري عليه وحده.
3- شرط عدم الضمان Clause sans garantie
يعتبر جميع الموقعين على الكمبيالة مسؤولين على وجه التضامن نحو الحامل غير أنه إذا وضع شرط “عدم الضمان” على الكمبيالة فإن واضعه يتحلل من هذا الالتزام هذا الشرط ويختلف بسحب ما إذا كان واضعه “هو الساحب أو المظهر”، فإذا وضعه الساحب فإنه يتحلل من ضمان القبول، لكنه لا يستطيع أن يتحلل من ضمان الوفاء، وكل شرط يتحلل بمقتضاه من ضمان الوفاء يعتبر كان لم يكن. وبعبارة أخرى فإن الشرط يبطل بينما تبقى الكمبيالة صحيحة. أما إذا أدرج هذا الشرط على الكمبيالة من قبل المظهر فإنه يستطيع أن يتحلل بمقتضاه من ضمان القبول كما يستطيع أن يتحلل من ضمان الوفاء.
4- شرط عدم تقديم الكمبيالة للقبول clause ion acceptable
الأصل أنه يحق للحامل أن يقدم الكمبيالة إلى المسحوب عليه من أجل التوقيع عليها بالقبول، فإذا امتنع عن قبولها جاز له (أي الحامل) أن يباشر الرجوع على الموقعين بعد تحرير احتجاج عدم القبول غير أنه يجوز للساحب أن يمنع تقديم الكمبيالة للقبول وذلك تطبيقا لما جاء في الفقرة الثالثة من المادة 174 من مدونة التجارة.
5- شرط التقديم الإلزامي للقبول Clause de présentation obligatoire à l’acceptation
إذا كانت لدى الساحب شكوك حول وفاء الكمبيالة من قبل المسحوب عليه عند حلول تاريخ الاستحقاق فإنه يستطيع وضع هذا الشرط على الكمبيالة والذي يلتزم الحامل بمقتضاه بتقديم الكمبيالة للقبول وذلك بقصد الوقوف على نية المسحوب عليه.
6– شرط ليست لأمر Clause non a ordre
الكمبيالة قابلة بحكم طبيعتها للتداول عن طريق التظهير ولو لم تكن متضمنة شرط الأمر، غير أن الساحب يستطيع منع تظهيرها وتداولها، وبعبارة أخرى فإنه يستطيع منع تداول الكمبيالة بالطرق التجارية التي هي التظهير والمناولة اليدوية. وفي هذه الحالة لا يمكن للكمبيالة أن تنتقل إلا عن طريق الحوالة العادية وذلك تطبيقا للفقرة الثانية من المادة 167 من مدونة التجارة التي ورد فيها ما يلي: “تنتقل الكمبيالة عن طريق الحوالة العادية وتخضع لآثارها متى أدرج الساحب فيها عبارة “ليست لأمر” أو أية عبارة أخرى موازية لها”.
المبحث الثالث: تداول الكمبيالة
الكمبيالة قابلة بحكم طبيعتها للتداول وإذا كان لا يوجد ما يمنع من انتقال الحق الثابت فيها عن طريق الحوالة أو الإرث أو الوصية، إلا أن التظهير والمناولة اليدوية يعتبران الوسيلة الاعتيادية لنقل هذا الحق، ونظرا لأن الكمبيالة تحل في كثير من الأحيان محل النقود فإنه كان لابد من أجل أن تقوم بهذه الوظيفة أن تكون قابلة للانتقال عن طريق التظهير. ولا شك أن نقل الحق الثابت فيها عن طريق الحوالة يعرقل تداولها ويحول دون أدائها لوظيفتها.
وإذا كان انتقال الكمبيالة عن طريق المناولة اليدوية أقل تعقيدا من التظهير إلا أنه لا يضيف أي ضمان للحامل. أما انتقالها عن طريق التظهير فإنه أكثر ضمانا، ” وكلما تعددت التظهيرات كلما تعزز الضمان لأن جميع الموقعين يعتبرون مسؤولين بالتضامن في مواجهة الحامل.
وتعتبر الكمبيالة قابلة للانتقال عن طريق التظهير ولو لم يذكر فيها شرط الأمر صراحة. غير أنه إذا أورد الساحب في صلبها بيانا اختياريا يمنع بمقتضاه ” تظهيرها فإنه لا يمكن نقل الحق الثابت فيها إلا عن طريق الحوالة العادية المنصوص عليها في المادة 195 من ق.ل.ع.م. وإذا وضع هذا البيان من قبل أحد المظهرين، فإن هذا لا يحول دون تظهير الكمبيالة بعد ذلك، غير أن واضع هذا الشرط لا يكون ضامنا للوفاء بالنسبة للأشخاص الذين ستظهر إليهم بعد هذا الشرط.
يقصد بالمناولة اليدوية أن يقوم الساحب بتسليم الكمبيالة إلى المستفيد أو يقوم الحامل بتسليمها إلى حامل آخر يدا بيد كما يسلم المنقول المادي
نصت المادة 167 من مدونة التجارة في فقرتها الأولى والثانية على ما يلي: ” تنتقل الكمبيالة عن طريق التظهير ولو لم تكن مسحوبة للأمر صراحة.
تنتقل الكمبيالة عن طريق الحوالة العادية وتخضع لآثارها متى أدرج الساحب فيها عبارة “ليست للأمر” أو أية عبارة أخرى موازية لها”.
كأن يذكر فيها مثلا عبارة “ليست للأمر” أو “غير قابلة للتداول أو أية عبارة أخرى مشابهة.
الفرع الأول: تعريف التظهير وشروطه
سبق أن قلنا أن التظهير هو الوسيلة الاعتيادية لنقل الحق الثابت في الورق التجارية عموما، وفي الكمبيالة هو على وجه الخصوص، ولم يكن التظهير عند ظهوره يعتبر صحيحا إلا إذا ورد على ظهر الكمبيالة، ومن هنا جاءت تسمية هذه العملية بالتظهير. وقد تم الاحتفاظ بهذه التسمية رغم أن التظهير لم يعد من الضروري أن يرد على ظهر الكمبيالة، بل يمكن أن يرد على ظهرها أو على وجهها (صدرها) غير أن التظهير على بياض لا يعتبر صحيحا إلا إذا ورد على ظهر الكمبيالة (المادة 167 من مدونة التجارة). وإذا تعددت التظهيرات ولم يعد ظهر الكمبيالة كافية لاستيعابها فإنه يمكن اللجوء إلى إلصاق ورقة بالكمبيالة اصطلح على تسميتها “بالوصلة” ليتم وضع التظهيرات عليها إلى حين حلول تاريخ الاستحقاق.
ويجوز للمظهر أن يلغي تظهيره وذلك بشطبه وإضافة عبارة “لاغ” مثلا أو أية عبارة أخرى، وبذلك يعتبر التظهير كان لم يكن.
ويجب أن يكون التظهير غير جزئي أي شاملا لكل مبلغ الكمبيالة لأن التظهير الجزئي يعتبر باطلا. كما يجب أن يكون مطلقا، وكن شرط من شأنه أن يجعل التظهير مقيدا أو معلقا على شرط يعتبر كأن لم يكن.
ويجب أن يكون التظهير موقعا من قبل المظهر لأن التوقيع هو الذي ينشئ الالتزام. ويجب أن يكون هذا التوقيع خطيا وان يقوم على سبب مشروع.
وتعتبر الكمبيالة قابلة للتداول عن طريق التظهير قبل حلول ميعاد الاستحقاق، ويجوز تظهيرها حتى بعد هذا الميعاد ولا يختلف هذا التظهير من حيث الآثار عن التظهير الذي يتم قبل ميعاد الاستحقاق، غير أنه إذا تم تظهير الكمبيالة بعد احتجاج عدم الوفاء أو بعد انقضاء الأجل المحدد لإجرائه فإنه لا ينتج إلا آثار الحوالة العادية.
ويكون التظهير إما اسميا Endossement nominatif إذا كتب المظهر في التظهير اسم المظهر إليه- كأن يقول مثلا “ادفعوا لأمر السيد الشرقاوي مصطفى مبلغ كذا” ثم يضيف توقيعه وقد يكون على بياض endossement en blanc إذا اكتفى المظهر بالإمضاء دون ذكر اسم
المظهر إليه. ويكون التظهير للحامل endossement au porteur عندما يكتب المظهر على الكمبيالة عبارة “ادفعوا لحاملها” ثم يضيف توقيعه. ويمكن للمظهر أن يكتفي بوضع توقيعه على ظهر الكمبيالة وإذا تعدد المستفيدون في الكمبيالة فإن تظهيرهم لها لا يعتبر صحيحا إلا إذا كان يحمل توقيعهم جميعا لأن توقيع البعض دون البعض الآخر يجعل التظهير جزئيا وهو تظهير باطل.
نصت المادة 168 من مدونة التجارة على ما يلي:
ينقل التظهير جميع الحقوق الناشئة عن الكمبيالة.
يجوز للحامل في حالة التظهير على بياض:
1- أن يملا البياض باسمه أو باسم أي شخص آخر؛
2- أن يظهر الكمبيالة من جديد على بياض او لشخص آخر؛
3- أن يستلم الكمبيالة للغير بدون ملا البياض ودون تظهيرها “.
تجدون الدرس كذلك على شكل PDF يمكنكم تحميله من خلال الرابط أسفله: