سماع دعوى الزوجية على ضوء العمل القضائي

عالـم القانون7 سبتمبر 2024
عالم القانون

مقدمة :

 

  لقد بوأت الشرائع السماوية و الوضعية الزواج مكانة بالغة الأهمية جاعلة منه النظام الوحيد للمعاشرة الجنسية مستهجنة ما عداه من القنوات لكونه نقطة الانطلاق لبناء الأسرة فضاء السكون و الاطمئنان و تربية النشء و أساس مناعة المجتمع وتماسكه (1).
و الزواج في ديننا الحنيف، هو أوثق عقد و أغلظ ميثاق يربط الذكر والأنثى، إنه الرباط الشرعي الوحيد الذي يجوز من خلاله للجنسين ان يلتقيا ويتوحدا، إنه المسار الفذ الفريد الذي يسمح في اطاره للغريزة الجنسية أن تنطلق و للوطر أن يقضى إنه التقاء للطهر والعفاف و الإحصان في اطار من التكامل والانسجام والمودة والرحمة، إنه عبادة و قربى الله بكل ما في الكلمة من معنى، أساسه توحد رجل وامرأة في اسرة نقية زكية، لباسها التقوى و هدفها الأسمى و طموحها الأسمى تحقيق الامتداد للحياة والفضيلة معا، و للإيمان والعمران على السواء، وتخريج أجيال تحقق رسالة الوجود، و يتعاون في ظلها الأبوان على تربية ذرية سليمة القلب عزيزة النفس، حسنة الخلق، موفورة الكرامة، نظيفة المظهر و طاهرة المخبر، عابدة لربها و ملتزمة بشرعه .
إن عقد الزواج أسمى و اجل من ان يكون مجرد عقد تمليك لعين او لمنفعة كعقد البيع او عقد الإيجار او عقد الشركة، بل هو عهد و میثاق بين الزوجين يرتبطان به ارتباطا وثيقا مدى الحياة، و يندمج كل منهما في الآخر اندماجا كليا كما يدل على ذلك قول الله تعالى من خلال نص بالغ الروعة : ” هن لباس لكم و انتم لباس لهن (2) ، أي ان كلا من الرجل و المرأة ستر لصاحبه، تماما كما يستر الثوب لابسه من أن تظهر عوراته (3)

1- الأستاذ حساين عبود: قراءة في بعض مستجدات مدونة الأسرة – الكتاب المتعلق بالزواج – مجلة القضاء و القانون العدد 150 الصفحة 95 .
2 -سورة البقرة، الآية 187 .
3 -الدكتور محمد الكشور : شرح مدونة الأسرة، الجزء الأول : الزواج ، الصفحة 111 مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء، الطبعة الأولى : 1427-2006

 

 

و للأهمية البالغة التي يحظى بها الزواج في الإسلام، اعتبره البارئ سبحانه و تعالى آية من آياته : قال جل شأنه : ” و من آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة و رحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون(1)
و للأهمية ذاتها، حظي بالدراسة المفصلة و التحليل الكافي من قبل فقهائنا قديما و حديثا،
و ذلك ببيان حكمه و تفصيل القول عن أركانه وشروطه و غير ذلك، كما تحدثت عنه مدونة الأحوال الشخصية الملغاة على امتداد ثلاثة واربعين فصلا، أما مدونة الأسرة التي حلت محلها فقد تناولته بتفصيل واف و تحليل مستفيض على مدى ست و ستين مادة من (المادة الرابعة الى المادة التاسعة والستين ).
و ما دام الموضوع يتعلق بسماع دعوى الزوجية، فلن أتكلم عن انشاء الزواج، و انما عن اثباته، وذلك من خلال محورين أتحدث في الأول عن اثبات الزواج في مدونة الأسرة، بينما أخصص الثاني لبيان كيف تعامل القضاء مع دعاوى اثبات الزوجية بالنسبة لغير المتوفرين على رسم الزواج.

المحور الأول : إثبات الزواج في مدونة الأسرة :

  توثيق عقد الزواج شكلية مقصودة لذاتها، خصوصا في زمننا هذا الذي قل فيه الوازع الديني، و انعدمت ضمائر كثير من الناس، وساد فيه التنكر و التحلل من الالتزامات، لذلك كانت المدونة صريحة و واضحة عندما اعتبرت في الفقرة الأولى من المادة 16 وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثباته، لكنها مع ذلك أبقت الباب مواربا عندما تحول ظروف قاهرة دون توثيق العقد في إبانه، فمنحت المحكمة صلاحية اجراء البحث عن الظروف و القرائن المؤكدة لقيام العلاقة الزوجية معتمدة على جميع وسائل الإثبات وكذا الخبرة، أخذة بعين الاعتبار وجود أطفال او حمل ناتج عن تلك العلاقة، و ما اذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين .
وقد حددت الفقرة الأخيرة من المادة 16 سقفا زمنيا مداه خمس سنوات ابتداء من تاريخ دخول المدونة حيز التنفيذ بتاريخ 05-02-2004 للعمل بسماع دعوى الزوجية و تصحيح جميع الوضعيات العالقة .
و انسجاما مع ما ذكر أعلاه، لابد من همسة نهمسها في اذن كل رجل و في أذن كل امرأة، مفادها أن توفر رسم الزواج يجعل الزوجين يعيشان معا مرفوعي الهامة، موفوري الكرامة،


1 سورة الروم : الآية 20

عزيزي النفس و مصاني العرض، كما يجعلهما في حل من طرق باب القضاء لإقامة دعوى يرومان من خلالها اثبات و قيام الزوجية بينهما، في مسار قد يستغرق حيزا زمنيا لا يستهان به و قد لا ينتهي بالاستجابة لطلبهما و قبوله.
فعقد الزواج اذن و طبقا للمادة المتحدث عنها، يثبت اصلا بالوثيقة العدلية التي تتضمنه، استثناء بالحكم القضائي الذي يعترف به، لكن قبل اصدار هذا الحكم يتعين ابتداء اقامة الدليل على ان اسبابا قاهرة حالت دون توثيق العقد في وقته، فما هي هذه الأسباب ؟
لا المادة 16 من المدونة و لا الدليل العملي عند شرحه لها اعطيا فكرة عنها، لكن يمكن القول ان السبب القاهر هو كل عقبة مادية حالت دون توثيق العقد امام العدلين المنتصبين للإشهاد كالتواجد بمنطقة لا عدول فيها سواء داخل المغرب أو خارجه و كوفاة العدل الذي تلقى الإشهاد قبل تقديم الرسم للخطاب، أو تخلف الإذن بالنسبة لرجال الشرطة و الدرك ومن في حكمهم، هذا عن ماهية السبب القاهر، فماذا عن اثباته ؟(1)
من وجهة نظر الدكتور الكشبور، يجب التعامل مع هذا الإثبات بحذر شديد جدا، إذ المسألة تتعلق بالأعراض وبالأنساب و من ثم لا يصح للمحكمة ان تثير انعدام السبب القاهر من تلقاء نفسها، و هو ( أي السبب القاهر ) يبقى مسألة موضوعية يندرج استخلاصها في اطار سلطتها التقديرية التي لا تخضع لرقابة المجلس الأعلى الا على مستوى التعليل (2).

و قد نقض المجلس بمقتضى قراره عدد 303 الصادر عن غرفة الأحوال الشخصية و الميراث بتاريخ 17-05-2006 في الملف الشرعي رقم 2004/1/2/435 و المنشور بالصفحة 165 و ما يليها من مجلة المعيار في عددها 38 قرار محكمة الاستئناف بفاس رقم 04/338 الصادر بتاريخ 2012-05-2004 في الملف رقم 7/2002/844 ، و من بين ما عابه عليها آنها بررت عدم توثيق الزواج بالفترة القصيرة التي قضاها الزوج مع زوجته قبل الذهاب الى المانيا، في الوقت الذي شهد فيه الشهود ان مدة المعاشرة الزوجية استمرت من سنة 1983 الى سنة 1998 أي مدة خمسة عشر سنة، و قرر المجلس أنه : ” لئن كانت المادة 16 من مدونة الأسرة أجازت بصفة انتقالية سماع دعوى الزوجية بالبينة الشرعية، فإنه يجب ان تستجمع هذه البينة شروطها


1- الدكتور محمد الكشبور، شرح مدونة الأسرة الجزء الأول، الزواج، مرجع سابق، الصفحة 286 بتصرف .
2 الدكتور محمد الكشبور، المرجع السابق، الصفحة 287 بتصرف .

المقررة فقها و منها توفرها على المستند الخاص لعلم شهودها المتمثل في حضورهم مجلس العقد و معرفة الولي و الصداق و ان تحول اسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته … ” و لأخذ فكرة عن الطريقة التي تعامل بها القضاء بخصوص بحثه عن هذه الأسباب و اقامة الدليل على وجودها عند بدء العمل بالمدونة يرى الأستاذ عبد العزيز فتحاوي ان عدة معطيات تخفف من قوة و وقع الأسباب القاهرة من ذلك أن الإشهاد العدلي لم يعد شرط صحة في العقد، و إنما أصبح شرط کمال من ذلك ايضا فتح المجال لجميع وسائل الإثبات، و كذا فتح آمد خمس سنوات للعمل بمقتضيات المادة 16، كل ذلك من شأنه ان يخفف من وقع عبارة الأسباب القاهرة، و فعلا فإن القضاء في بداية تطبيق مدونة الأسرة أصبح يتعامل مع هذه الأسباب بنوع من المرونة إن لم نقل انه لا يكاد يبحث عنها او يلتفت اليها بل يعتمد وسائل الإثبات المقدمة اليه و التي توسع فيها المشرع الى حد كبير، وتعزى هذه المرونة في تعامل القضاء مع هذه الأسباب بالإضافة لما ذكر الى وضوح المشرع في كون الأمر يتعلق بالإثبات من جهة، و لليسر و التبسيط الذي نهجته المدونة عموما في تعاملها مع قضايا الأسرة، ثم صيغة الوجوب التي تستشف من الفقرة الثانية من المادة 16 … و من ثم يخلص إلى أن الأسباب القاهرة هي كل سبب كيفما كان نوعه دفع الى عدم توثيق عقد الزواج في إبانه، و لو كان الأمر يرجع الى مجرد التراخي من طرفي العقد (1) و إمكانية اثبات الزواج، كما منحها المشرع للقاطنين بأرض الوطن منحها أيضا للجالية المغربية المقيمة بالخارج، فقد جاء في المنشور 13 س2 الذي وجهه السيد وزير العدل للسادة القضاة الملحقين بسفارات المملكة المغربية بالخارج و المكلفين بمهامم التوثيق و مهام قاضي الأسرة المكلف بالزواج، بخصوص ثبوت الزوجية و التقارر ما يلي :

ثبوت الزوجية :

إنسجاما مع ما ذهب اليه المشرع في المادة 16 من مدونة الأسرة من أن وثيقة الزواج تعتبر الوسيلة المقبولة لإثباته، و أنه يمكن للمحكمة سماع دعوى الزوجية، إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته مع اعتمادها في سماعها سائر وسائل الإثبات، فإنه لم يعد مجال لتلقية الشهود لدى عدلين بمعرفتهم المعنيين بالأمر، وقيام العلاقة الزوجية بينهما كما كان الأمر من ذي قبل، لذا على من يعنيه الأمر ان يتقدم بدعوى الزوجية داخل أجل خمس سنوات الموالية لتاريخ نشر المدونة، قصد تسوية وضعيته مع العلم ان هذا الأمر يحتاج الى حملة تحسيسية، نظرا لعدم إطلاع عموم الناس غالبا على مستجدات هذه المدونة و للحيز الزمني المحدد للفترة الانتقالية.


1- الأستاذ عبد العزيز فتحاوي: التقيف العدلي و دوره بمدونة الأسرة، مطبعة فضالة، طبعة 2005، الصفحتان 102 و 103 بقليل من التصرف .

و في اطار التسهيلات التي يجب أن تقدم للجالية المغربية المقيمة بالخارج ينبغي إشعارها بأنه بالإمكان تكليف من يقوم بالنيابة بالمغرب بتقديم دعوى الزوجية الى المحكمة.
و إذا كان الشهود الذين يعرفون الزوجين يوجدون بالخارج و لا يتأتى لهم المجئ إلى المغرب للإدلاء بشهادتهم أمام المحكمة، ففي هذه الحالة، يمكن للقاضي الموجود بالسفارة او القنصلية بالخارج، الإذن لعدلين بإنجاز تلقية من الشهود، شريطة ان تتضمن ما يفيد بأنها لا تقوم مقام ثبوت الزوجية، ويشار الى عنوانها ب : ” شهادة التلقية “، دون الإشارة الى رسم ثبوت الزوجية.

 

التقـــــــــــــارر:

هذا النوع لم يعد معمولا به كوثيقة يثبت بها وحدها الزواج، على اعتبار أن وثيقة عقد الزواج هي الوسيلة المقبولة لإثباته، كما ذكر، و أما ثبوت الزوجية، سواء بواسطة الشهود، او بالتقارر، أو بأية وسيلة من وسائل الإثبات فيتم عن طريق المحكمة ( المادة 16 ) كما اشير اليه اعلاه.

و لذا يوجه المعنيان بالأمر الى انجاز وثيقة يصادق عليها امام المصالح القنصلية لتقديمها كحجة امام المحكمة لإثبات الزوجية و اذا اصرا على ان تكون هذه الوثيقة بواسطة عدلين، فيمكن – استثناء – ان يتم الاستماع اليهما من طرف العدلين تحت اسم ( تلقية ) ولا بد ان يشار فيها الى ان هذه الوثيقة لا تقوم مقام عقد الزواج، ولا يعتمد عليها وحدها لإثباته، و انما يدلي بها امام المحكمة لسماع دعوى الزوجية و التي ترتب – في حالة ثبوتها – آثارها، و منها ثبوتالنسب.(1)
هذا، وقد أصدر السيد وزير العدل بتاريخ 02 فبراير 2005 منشورا تحت رقم 50س2، نوه فيه الى ضرورة البحث والتحري و الاستقصاء، في دعاوى الزوجية، عن كل ما يثبتها، حفاظا على الحقوق و الأنساب و على استقرار الأسرة، و مما جاء فيه :
….. و استلهاما لغرض المشرع من سماع دعوى الزوجية و اعتماد كل الوسائل لإثباتها، حماية للأسرة، وخاصة اذا نتج عنها اطفال او حمل.
و حرصا على ان يكون اثبات الزوجية في الشكل الذي اراد المشرع ان تكون فيه، و هو الحكم الذي يغني عن غيره، و غيره من كل تلقية بها، سواء بالشهود او بالتقارر – لا يغني عنه.

نطلب منكم – و بكل تأكيد – إيلاء دعواها ما تستحقه من العناية والاهتمام، سواء عند تقدير الظروف التي حالت دون توثيقها في إبانها، أو عند إثباتها و ذلك بالبحث والتحري عن كل ما يثبتها، أو لدى ترتيب الآثار عليها، و كذا بمراعاة ظرفية سماع دعواها ” (2).


1 الصفحتان الرابعة و الخامسة من منشور السيد وزير العدل 13 س2 .
2 الصفحة الثانية من منشور السيد وزير العدل 50س2 بتاريخ 02 فبراير 2005 .

و هو ما يؤكد ما سبق أن أورده الدليل العملي لمدونة الأسرة عند شرحه للمادة 16، حيث جاء فيه أنه في الحالات التي يتعذر فيها على الأزواج عقد الزواج في حينه، تجري المحكمة البحث عن الظروف و القرائن المؤكدة لوجود العلاقة الزوجية معتمدة على جميع وسائل الإثبات بما فيها الاستماع الى الشهود و وفق ما أكده المجلس الأعلى في بعض قراراته التي جاء فيها ان على المحكمة ” شرح هذه الصفة الاستثنائية، كازدياد الأولاد في بيت الوالدين و تاريخ الازدياد، و ما يقع من الحفلات في تلك المناسبة، و من الأولاد و شهادة مدرسية لهم ان اقتضى الحال و مدة الحياة الزوجية المشتركة و ما يناسب ذلك……”

و من القرائن التي يمكن اعتمادها لوجود العلاقة الزوجية الخبرة المثبتة لعلاقة البنوة الى المدعى عليه و فشو العلاقة الزوجية و لو عن طريق السماع … (1)
و هب ان المحكمة استجابت للطلب و حكمت بثبوت و قيام الزوجية بين طرفي العلاقة، فما قيمة هذا الحكم ؟!

للجواب على هذا السؤال نورد ما قاله الأستاذ عبد العزيز فتحاوي في هذا الإطار، حيث افاد أن:

…. إثبات الزوجية بحكم قضائي فيه من الضمانات الشيء الكثير، ان على مستوى الشرعية، أو على مستوى الثبوت، فإذا كانت وثيقة عقد الزواج العدلية تتم من طرف عدلين، فإن الحكم بثبوت العلاقة الزوجية يتم من طرف هيئة قضائية تتكون من ثلاثة قضاة، مما يعطي للعلاقة الزوجية حجية اكبر و قوة ابلغ … ”
و أضاف : “.. ….. ان الحكم المذكور فيه من الحجية و الضمانات ما يليق بهذه العلاقة، فهو يوفر الإثبات المطلوب و يوفر النصاب الشرعي فيه و يوفر الأركان و الشروط في عقد الزواج. و يوفر التقرير و الإلزام، ويجنب الطعن بالزور الذي كانت تعرفه الزوجيات سابقا . و يعتبر حجة مقبولة لدى دول المعمور، اذ العديد من الدول الأجنبية لا تعترف برسومنا العدلية . “ (2)

هذا عن المحور الأول، فلننتقل بعده للمحور الثاني لنرى من خلال الأحكام والقرارت القضائية التي سنوردها، كيف تعامل القضاء مع المادة 16 و مع الدعاوى التي تقام في اطارها.

 

المحور الثاني : سماع دعوى الزوجية على ضوء العمل القضائي :

بادئ ذي بدء ننبه إلى أن التعامل مع المادة 16 يجب أن يتم على اساس انها كاشفة لعقد الزواج لا منشئة له،


1- الدليل العملي لمدونة الأسرة، منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة الشروح و الدلائل ، العدد 1-2004، الصفحتان 26 و 27 .
2 الأستاذ عبد العزيز فتحاوي، اللفيف العدلي و دوره في الإثبات، مرجع سابق الصفحتان 116 و 117.

ففي إطارها، يكون العقد قائما بأركانه و شروطه سلفا، أما مقتضياتها فتعمل على كشفه ليس إلا، و المشرع بفتحه الباب على مصراعية إستنادا للمادة ذاتها، لاعتماد جميع وسائل الاثبات في سماع دعوى الزوجية إنما يريد أن يقول أن جميع هذه الوسائل قمينة و كفيلة بإبراز كافة مكونات العقد، إلا أن الوسيلة التي تبقى أكثر شيوعا هي شهادة الشهود، الذين يجب على المحكمة عند استماعها اليهم ان تعمل قدر الإمكان على إخراج كل ما لديهم خصوصا ما تعلق بركني العقد و شروطه للتأكد فعلا من ان ما يربط الطرفين هو عقد صحيح كامل الأركان و الشروط، لكن ما هو عدد الشهود الذين يجب الاستماع اليهم ؟
لا الدليل العملي و لا منشورا وزارة العدل المذكوران اعلاه أجابا عن هذا التساؤل، مما نتج عنه تضارب بين توجه المجلس الأعلى في هذا الإطار و عمل محاكم الموضوع، حيث أوجب المجلس توفر الشهادة على النصاب الشرعي المتمثل في شاهدين عدلين أو ما يعادلهما من لفيف يتكون من إثني عشر شاهدا و يتضح ذلك بجلاء من خلال قراره عدد 465 الصادر بتاريخ 2006-07-19 في الملف الشرعي عدد 2006/1/2/67 الذي نقض بمقتضاه قرار محكمة الاستئناف بالجديدة عدد 205/745 الصادر يوم 25-10-2005 في القضية عدد 04/548/16 بقوله انه ” لئن كانت المادة 16 من مدونة الأسرة اجازت بصفة انتقالية سماع دعوى الزوجية و إثباتها بجميع وسائل الإثبات و منها شهادة الشهود، فإنه يجب ان تتوفر الشهادة على النصاب الشرعي المتمثل في شاهدين عدلين أو ما يعادلهما من لفيف يتكون من إثني عشر شاهدا كما هو مقرر في المشهور من الفقه المالكي، والمحكمة لما استندت في اثبات العلاقة الزوجية بين الطرفين على مجرد تصريحات ثلاثة شهود غير عدول تكون قد خرقت القواعد الفقهية المقررة و عرضت قرارها للنقض ” (1).
هذا موقف المجلس الأعلى، أما غالبية محاكم الموضوع فتكتفي بالاستماع لشاهدين فما فوق دون تقيد منها بضرورة توفر اثني عشر شاهدا و مرد ذلك في نظرنا، راجع بالأساس لما ورد بالتقرير الختامي عن الأيام الدراسية التي نظمتها وزارة العدل بمدينة افران بحضور القضاة المشرفين على اقسام الأسرة بمحاكم المملكة لبحث الاشكاليات العملية في مجال قضاء الأسرة و الحلول الملائمة لها أيام 04 و 05 أكتوبر و 20 و 21 دجنبر، حيث أثيرت نقطة للنقاش مؤاداها ما يلي:

-تنص المادة 16 من المدونة يجوز إثبات الزواج بسائر وسائل الإثبات من بينها شهادة الشهود دون تقييد عددهم ولا صفاتهم، مما قد يجعل الاثبات بالشهود فيه نوع من التيسير، خاصة بالنسبة لذوي النيات السيئة ” فكان الحل المقترح كالآتي :


1- مجلة قضاء المجلس العلى العدد 66، الصفحات ،122 123 و124

“من الحقوق التي لابد فيها من شاهدين حسب المذهب المالكي، الزواج و استنادا الى المادة 400 من المدونة التي تحيل على هذا المذهب فيما لم يرد به نص فيها، فقد اسفرت المناقشة على الأخذ بهذا المقتضى في دعوى ثبوت الزوجية، علما بأنه كلما كثر الشهود كان افضل ” (1)

و من جهة أخرى، فقد قرر المجلس وجوب توفر البيئة الشرعية المعتمدة لسماع دعوى الزوجية على شروطها المقررة فقها و منها توفرها على المستند الخاص لعلم شهودها، حيث جاء في قراره عدد 303 الصادر بتاريخ 17-05-2006 في الملف الشرعي عدد : 2004/1/435 الذي نقض بمقتضاه قرار استئنافية فاس عدد 338 بتاريخ 2009-05-2004 قضية عدد 02/844 أنه :لئن كانت المادة 16 من مدونة الأسرة أجازت بصفة انتقالية سماع دعوى الزوجية بالبينة الشرعية فإنه يجب ان تستجمع هذه البينة شروطها المقررة فقها ومنها توفرها على المستند الخاص لعلم شهودها المتمثل في حضورهم مجلس العقد و معرفة الولي و الصداق.(2)

و في ذات السياق، أصدرت غرفة الأحوال الشخصية بالمجلس الأعلى يوم 13-09-2006 قرارها عدد 511 في الملف الشرعي رقم : 2005/1/2/581 أيدت فيه قرار استئنافية مراكش رقم 478 الصادر بتاريخ 17-05-2005 في الملف رقم 2005/8/582 المؤيد بدوره لحكم ابتدائية ابن جرير المؤرخ في 06-12-2004 بعلة “أن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه اعتبرت واقعة الزواج بين الطرفين ثابتة حسب شهادة الشهود الحاضرين و استفسارهم و تأکیدهم حضور حفلة الزفاف و عللت قضاءها بأن المحكمة الابتدائية استمعت الى شهادة الشهود بعد ادائهم اليمين القانونية فأكدوا زواج المستأنف بالمستأنف عليها بصداق و ولي هو والدها و انه كان يعاشرها معاشرة الأزواج، كما اكدوا حضورهم حفل الزفاف و ان كتابة عقد الزواج هو لإثبات تحققه و ليس ركنا في العقد، و انه ان تعذر الإشهاد في حينه اعتمدت المحكمة سائر وسائل الإثبات للتأكد من تحققه و من ذلك شهادة الشهود المزكاة باليمين وبذلك تكون المحكمة
قد اقامت قضاءها على أسباب سائغة لها اصلها في الشرع والقانون .(3)


1– مجلة قضاء الأسرة … مجلة متخصصة … منشورات جميعة نشر المعلومة القانونية والقضائية العدد الأول، يوليوز 2005.
2 مجلة المعيار العدد 38 ، دجنبر 2007 الصفحات 165 166 و 167
3 مجلة قضاء المجلس الأعلى العدد 66، الصفحات 128، 129 و 130

 

و قريبا من هذا المعنى صدر عن ابتدائية بولمان التابعة لاستئنافية فاس بتاريخ 2007-12-100 حكم تحت رقم 07/345 في القضية عدد 2007/286قضي بثبوت الزوجية بين طرفي العلاقة و هو الحكم الذي بعدما أكدت فيه المحكمة انه تعذر على المعنيين بالأمر توثيق عقد الزواج في إبانه لبعدهما عن منطقة تواجد العدول و انهما كانا قد تراضيا على الزواج بينهما و هما بالغان سن الرشد أعقبت ذلك بالحيثية التالية :
” و حيث تم الاتفاق على الزواج بين الطرفين. بحضور الولي وتسمية الصداق و اشهار الزواج، كما هو ثابت من خلال تصريحاتهما و شهادة الشهود المستمع اليهم بطريقة قانونية “.

أما محكمة الاستئناف بسطات، فلم تبين المستند الخاص لعلم الشهود وفق ما ذهب اليه المجلس الأعلى، حيث استندت شهادتهم فقط لعلاقة الجوار مع الطرفين للقول بأنهما مرتبطان برباط الزواج الشرعي، فجاء في معرض بسط وقائع قرارها رقم 06/835 الصادر بتاريخ 01-11-2006 في الملف عدد 2/1960 ان شهادة الشهود المستمع اليهم بجلسات البحث افادت ان العلاقة التي كانت بين الطرفين بحكم الجوار هي علاقة زواج، ومع ذلك سمعت دعوى الزوجية و رتبت عليها اثرها حيث ايدت ما قضى به الحكم الابتدائي من نفقة للزوجة و مولودتها . (1)
و فيما يلي اورد قرارا للمجلس الأعلى ايد فيه ما ذهبت اليه محكمة الموضوع و ما اعتمدت عليه من ادلة في قضائها و من بينها قرينة اشتهار النكاح بين الناس وفشو خبره، حيث جاء فيه : إن محكمة الموضوع اقامت قضاءها على ما اطمأنت اليه من ادلة منتجة في الدعوى و منها البحث الذي اجرته المحكمة الابتدائية في القضية و عللت قرارها بأن العلاقة الزوجية قائمة بين الطرفين بإقرارهما حسب المستفاد من بيئة الزوجة عدد 235 المقامة بطلب منها في 2000-01-13 و التي يفيد شهودها بأن الطرفين مرتبطان بعلاقة زوجية منذ عشرين سنة سلفت عن تاريخها بولي معروف هو صهرها عبد السلام مجلم و على صداق مسمى قدره : 200,00 درهم قبضته الزوجة وباستمرار هذه العلاقة بدون انفصام الى الآن، مما يخلص منه ان ركن الرضا بالزوجية ثابت بإرادة الطرفين وشهادة اللفيف الذين بنوا مستند علمهم على المخالطة و المجاورة، مما يعني من جهة اخرى ان النكاح قد اشتهر بين الناس وفشا خبره، مما يكفي


1- مجلة محاكمة العدد 3 أكتوبر، مجتبر ، 2007، الصفحات 227 و 228 و 229، و انظر ايضا قرار المجلس الأعلى رقم 402 بتاريخ 07-09-2005 في الملف عدد 02/493 – 2003/01 المنشور بنفس العدد من المجلة المذكورة لما بينهما من ارتباط .

 

الثبوته و ان لم يحصل اشهاد من عدلين وقت انعقاده لأنه ليس بركن في العقد و لا يشترط فيه و انما هو مندوب كما تقرر لدى شراح ابن عاصم (2)
و في نفس الاتجاه، سبق للمجلس ان اصدر بتاريخ 08 دجنبر 2004 قرارا بغرفتين يحمل رقم 582 في الملف الشرعي 2003/1/2/661 نقض بمقتضاه قرار محكمة الاستئناف بورزازات عدد 222 الصادر يوم 16-07-2003 في القضية عدد 03/11 و جاء فيه : ان الأصل في الزواج ان يتم بإشهاد الا انه اذا وقع ونزل و تخلف الإشهاد و صاحب الزواج الفشو و الشهرة فإنه بمقتضى الفقه المالكي يعتبر الزواج قائما و يفسخ بطلقة بائنة سدا لذريعة الفساد، و هذا ما سار عليه العلامة الخرشي على مختصر خليل عند قوله : ” و فسخ ان دخل بلاه و لا حد ان فشا و لو علم “، و نظرا الى ان العرف في بعض مناطق المغرب سار على ان الزواج يتم بالفاتحة و الجماعة و الشهرة لظروف استثنائية تمنع من الإشهاد على الزواج في حينه فإن هذا الزواج يكون صحيحا ….. و بالتالي فإن اقامة حفل الزفاف و اشهاره بين الناس يعتبر دليلا على الإيجاب والقبول … ” و حفل الزفاف هذا استند المجلس في نفس القرار لتأكيد اقامته ما افضی به للمحكمة شهود الموجب اللفيفي الذي ادلت به طالبة النقض من ان حفلة تمت بمحضرهم وفقا للأعراف المغربية، وانها زفت الى بيت الزوجية على مرأى ومسمع من الحاضرين و مكثت به صحبة المطلوب في النقض أكثر من ستة اشهر فانجبت ولدها منه داخل الأمد الشرعي، و ان صورا فوتوغرافية اخذت بالمناسبة تفيد انها في حفل زفاف او خطبة. (1)
و هكذا يتضح أن المجلس بغرفتيه : غرفة الأحوال الشخصية و الغرفة المدنية ( القسم الرابع ) قد اعتمد في ذات القرار، اضافة الى شهادة الشهود الذين كان مستند علمهم بالعلاقة خاصا تمثل في حضورهم حفلة الزفاف المقامة بالمناسبة، على قرينتي فشو الزواج و شهرته و التقاط صور فوتوغرافية اثناء الحفل .
و على نفس المنوال قبلت المحكمة الابتدائية بالرشيدية سماع دعوى الزوجية و حكمت بثبوتها بين الطرفين مستندة في حكمها رقم 1469 الصادر بتاريخ 22-11-2006 في الملف رقم 3/05/5715 على ان معظم الشهود المستمع اليهم أكدوا بعد أداء اليمين القانونية، انهم حضروا حفل الزفاف الذي اقيم بمنزل المدعية بحضور والدي و عائلة المدعى عليه خلال شهر غشت 2004، و ان الصور الفوتوغرافية التي التقطت بالمناسبة طبقا لعرف و تقاليد أهل البلد، تضم
2 قرار المجلس الأعلى عدد 505 المؤرخ في 09 نونبر 2005 في الملف الشرعي عدد 2004/1/2/19 و هو قرار غير منشور اشار اليه الدكتور الكبشور بالهامش (67) من مرجعه السابق الصفتان 286 و 287 .


1- قرارات المجلس الأعلى بغرفتين أو بجميع الغرف، الجزء الثالث، اعداد و دراسة و تعليق للأستاذ ادريس بلمحجوب، الصفحة 182 وما يليها .

الطرفين و عائلتيهما، اضافة الى ان السبب القاهر الذي حال دون توثيق العقد في وقته تمثل في عدم تمكن المدعى عليه، الذي يعمل عسكريا من الحصول على رخصة الزواج بالمدعية خلال فترة الزفاف، حيث لم يتحصل عليها الا بعد ذلك خلال شهر شتنبر 2004.
هذا عن شهادة الشهود و القرائن، فماذا عن الخبرة ؟
بتاريخ 13-04-2006 صدر عن المحكمة الابتدائية بالرباط حكم تحت رقم 555 في الملف عدد 03/1291/10 ارتكز على شهادة الشهود و الخبرة المنجزة للحكم بثبوت الزوجية بين مقيمة الدعوى و المقامة عليه، حيث انه بعدما تنكر هو للعلاقة اكدت المدعية شروط و اركان الزوجية من ایجاب و قبول و صداق مقبوض و ولي و أوضحت ان السبب الذي حال دون توثيق عقد الزواج في وقته تمثل في ثقتها في المدعى عليه، فاستمعت المحكمة للشهود فصرحوا بأنهم يعرفون الطرفين كزوجين اما بحكم تبادل الزيارات معهم بالنسبة للشاهدين الأولين، و اما بحكم علاقة الجوار بالنسبة للثالث و اما لكونهما اكتريا منه دارا في ملكه مقرا لبيت الزوجية و أقاما بها مدة اربع سنوات ازداد لهما خلالها ابن بالنسبة للشاهد الأخير، ثم أمرت بإجراء خبرة طبية على الخلايا الوراثية ) A.D.N ( قام بإنجازها مدير المختبر الجيني للدرك الملكي بالرباط و انتهى الى ان المدعى عليه هو الأب البيولوجي للطفل بنسبة 99.9999 فحكمت المحكمة بالمصادقة عليها وبثبوت الزوجية بينهما و ثبوت نسب الإبن اليه . (1)
أما ابتدائية تازة فقد قضت بثبوت نسب المولود الى المدعى عليه و رفضت طلب سماع دعوى الزوجية، بمقتضى حكمها رقم 2006/615 المؤرخ في 22-06-2006 في الملف رقم 05/1112 الذي جاء فيه ما يلي : ” . ….. و حيث انه و من الثابت من وثائق الملف ان الطرفين لم يتجاوزا فترة الخطبة الى مرحلة الإشهاد على عقد الزواج و اعمالا للمادة 06 من مدونة الأسرة التي تنص على انه يعتبر الطرفان في فترة الخطبة الى حين الإشهاد على عقد الزواج، فإن المطالبة بسماع دعوى الزوجية تبقى سابقة لأوانها، ولئن تمسكت المدعية بإعمال مقتضيات المادة 16 من مدونة الأسرة، فإن هذه المقتضيات رهينة في اعمالها بوجود عقد زواج مستجمع لكافة اركانه و شروط صحته، مما تكون معه الخبرة الجينية التي اسعفت المحكمة في الوصول الى مبتغى المدعية فيما يتعلق بإثبات النسب غير مسعفة في الوصول الى ذات المبتغى بخصوص هذا الشق من الطلب مما يتعين معه التصريح برفضه بقيت نقطة أخيرة لابد من إثارتها، تتمثل في أسلوب من التحايل يلجأ اليه بعض الأشخاص المتزوجين، حيث أنه عند رغبة احدهم في الزواج من امرأة ثانية يخفي واقعة زواجه الأول، حتى يتهرب من سلوك مسطرة التعدد التي قد لا توصله الى مبتغاه، و يطلب من القضاء اثبات زواجه الثاني استنادا للفقرة الثانية من المادة 16 من المدونة، فكيف يتعين التعامل مع هذا النموذج ؟ ذهب قسم الأسرة التابع لابتدائية مراكش في حكم له بتاريخ 24-03-2005 الى معاملته بنقيض قصده، حيث جاء في حيثياته :


1– قضاء الأسرة، مجلة متخصصة، العدد الثالث، دجنبر 2006، الصفحة 72 وما يليها.

” و حيث ان المعول عليه في النازلة هو تحديد المفهوم الحقيقي و الدقيق للأسباب القاهرة، فهي تعني الأسباب المادية و لا ينصرف مدلولها للأسباب و الموانع القانونية التي تحول دون العقد على الزوجة، بمعنى انه يجب ان يكون المانع الذي حال دون توثيق عقد الزواج هو مانع واقعي اما إذا تعلق الأمر بمانع قانوني حظر المشرع بمقتضاه او علقه على استيفاء شكلية معينة، فإنه يجب احترام هذه الشكلية .
و حيث انه في النازلة، فإن الطرفين لم ينجبا ابناء، و ليست طالبة الزوجية حاملا حتى يتشفع لها ذلك في تبرير تحايلها على النص القانوني و مادام الأمر كذلك، فإنه يجب ملاحظة ان طالب صحة الزوجية متزوج بامرأة اخرى و كل ما منعه من توثيق عقد الزواج هو رغبته في عدم اللجوء لمسطرة التعدد، و من ثم يعامل بنقيض القصد و يكون كل ذلك مبررا ارفض الطلب ” (1)
و واضح من الحيثية الثانية للحكم انه لو كان هناك اطفال او حمل لاتخذت المحكمة موقفا مغايرا على غرار ما ذهبت اليه ابتدائية بولمان بتاريخ 02-07-2007 في حكمها رقم 07/176 الصادر في القضية عدد 2007/104 حيث قضت بثبوت الزوجية بين رجل متزوج و امرأة اخرى رغم عدم سلوكه مسطرة التعدد استنادا لعدة معطيات منها كون هذه الأخيرة حامل في شهرها السادس، وجاء في حيثيات حكمها ما يلي :
….. و حيث تم الاتفاق على الزواج بين الطرفين بحضور الولي وتسمية الصداق
و اشهار الزواج كما هو ثابت من خلال تصريحات الشهود المستمع اليهم بطريقة قانونية . و حيث ادلى المدعي تعزيزا لطلبه بشهادة ادارية ثبت من خلالها قيام العلاقة الزوجية و استمرارها بينه و بين المدعى عليها منذ سنة 2005، كما أدلى بشهادة طبية تفيد كون هذه الأخيرة حامل في شهرها السادس و هو الشيء الذي اكدته المدعى عليها بجلسة البحث و التي ثبت للمحكمة من خلالها كذلك ان المدعي متزوج بامرأة اخرى و هي السيدة الحرة موح التي تزوجها قبل زواجه بالمدعى عليها و العلاقة الزوجية لازالت مستمرة بينهما .


1- حكم أشار اليه الدكتور الكشيور بالصفحتين 294 و 295 من مرجمه السابق .

و حيث استمعت المحكمة الى الزوجة الأولى فأبدت موافقتها على زواج زوجها بالمدعى عليها على اعتبار انها مريضة و غير قادرة على تلبية حاجاته و ان زوجها المذكور يستطيع ضمان حقوقها و حقوق بنتها منه رغم زواجه ثانية بالنظر لموارده المالية و التي اثبتها هو الآخر بوثائق تفيد دخله من عمله كبناء بالديار الاسبانية مبررا طلبه كذلك بحاجته الماسة الى زوجة ثانية تسهر على تدبير شؤونه هناك هذه مجمل الأحكام والقرارات التي وسعني الجهد والوقت للاطلاع عليها و ابراز اتجاهاتها، و واضح منها ان شهادة الشهود تبقى الوسيلة الأساسية التي تعتمد للتأكد من توفر العقد على اركانه و شروطه، لكن هل يتعين الأخذ بما ذهب اليه المجلس الأعلى من ضرورة توفر نصاب اثني عشر شاهدا، أم يكفي الاستماع لشاهدين فما فوق؟ ثم هل في حالة عدم توفر الشهود، يكفي الأخذ بالقرائن کفشو النكاح و اشتهاره و الخبرة لسماع دعوى الزوجية و الحكم بثبوتها أم لا ؟
هذا من جهة و من جهة اخرى هل يجب اعتماد ما ذهبت اليه ابتدائيتا مراکش و بولمان لإثبات الزوجية حتى في حالة التحايل والقفز على مسطرة التعدد أم يتعين معاملة المتحايل بنقيض
قصده ولو في حالة وجود ابناء بينه و بين من يريد اثبات زوجيته معها او كونها حامل ؟ .
يبدو ان فتح المجال أمام هذا الشخص و من على شاكلته سيؤدي لا محالة إلى المساس بمسطرة التعدد و المشرع ما وضعها بضوابطها و موجباتها الواردة في المواد 40 و ما يليها الا لتسلك وفق الشكل الذي حدده و ارتضاه اما التحايل عليها و وضع المحاكم امام الأمر الواقع فأمر لا يستساغ و مسألة محل نظر .
هذه و غيرها اسئلة تطرح و بإلحاح و لا شك ان المناقشة ستجعل الموضوع اكثر غنى و ثراء، هذا الموضوع الذي في ختامه اقول كلمة مؤداها : ها قد بدأ العام الخامس و الأخير للفترة الانتقالية الواردة بالفقرة الأخيرة من المادة 16 عده التنازلي، فهل تم تصحيح جميع الوضعيات العالقة ؟ الجواب قطعا بالنفي، بل ما من شك أن وضعيات اخرى استجدت او ستستجد خلال الحيز الزمني المتبقي، فماذا عسى المشرع فاعل ؟
هل سيمدد عمر هذه الفترة أم سيوصد الباب عند انتهائها ؟
أطرح هذه الأسئلة ليس لأجل الترف الفكري، و انما لكون الأمر من الأهمية بمكان، خصوصا و أن وزارة العدل و استشعارا منها بهذه الأهمية سبق ان كاتبت المشرفين على اقسام قضاء الأسرة بمحاكم المملكة بتاريخ 24 اكتوبر 2007 تستطلع وجهات نظرهم حول الموضوع و تستجلي مقترحاتهم بشأنه، و لا شك انها بعدما توصلت بأجوبتهم كونت فكرة واضحة وجلية، و إلى ان يتخذ المشرع الموقف الملائم، يبقى المجال مفتوحا و فسيحا لنقاش خصب، نرجو ان تتولد عنه الثمار المرجوة التي تخدم حاضر و مستقبل الأسر المغربية بغية ضمان تماسكها و استقرارها جعلنا الله جميعا عند حسن ظن القاضي الأول صاحب الجلالة محمد السادس حفظه الله و ادام نصره و علاه، و من عباده الذين يصدق فيهم قوله جل و علا : و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و سوله و المؤمنون ” (1) صدق الله العظيم و السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته .

Source ذ عبد العزيز وحشي
Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...التفاصيل

موافق