مؤسسة المغرب 2030: منصّة تسريع الأوراش وصناعة إرث ما بعد المونديال

إحداث «مؤسسة المغرب 2030»: قراءة قانونية-مؤسساتية في مشروع وُضع ليُسابق الزمن

عالـم القانون9 أكتوبر 2025
خريطة المغرب بالأحمر مع خط أخضر مضيء يربط المدن، وملعب حديث ورافعات بناء وطائرة وقطار، في لوحة ترمز لمشاريع مؤسسة المغرب 2030.

مقدّمة

 

في خضم تحضيرات المغرب لحدثين كرويين كبيرين—كأس إفريقيا للأمم 2025 ثم كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال—اختارت الدولة إطاراً قانونياً خاصاً لتنسيق الأوراش وتدبير الالتزامات المعقّدة المرتبطة بهذه التظاهرات. فبعد اعتماد مجلس الحكومة لمشروع القانون رقم 35.25 يوم 10 يوليوز 2025، صادق مجلس النواب على النص خلال جلسة تشريعية يوم 15 يوليوز 2025، قبل أن يُنشر الظهير الشريف رقم 1-25-54 القاضي بتنفيذ القانون بالجريدة الرسمية (عدد 7428) بتاريخ 7–8 غشت 2025. وهكذا وُلدت «مؤسسة المغرب 2030» كهيئة ذات منفعة عامة، غير ربحية، لها الشخصية المعنوية والاستقلال المالي، ومقرّها الرباط، ومهمتها إعداد وتنظيم وتثمين كل التظاهرات الدولية لكرة القدم التي يُسند تنظيمها للمغرب إلى غاية احتضان مونديال 2030.
هذا المقال الأكاديمي يحاول تقديم قراءة مركّبة في الدوافع والسياق، وفي البناء المؤسّساتي والاختصاصات، وفي آليات التمويل والحكامة، ثم في الآثار المتوقعة والتحديات، مع الحفاظ على لغة إنسانية ومنهجية متوازنة تجمع بين الإخبار والتحليل.

المحور الأول: سياق الظهور ومدلولات الإطار القانوني الجديد

-1المسار الزمني لاعتماد المؤسسة

على المستوى الإجرائي، تَدرّجَ إحداث المؤسسة ضمن سلسلة مترابطة: مصادقة مجلس الحكومة على مشروع القانون (10 يوليوز 2025)، ثم المصادقة البرلمانية (15 يوليوز 2025)، فالتنفيذ بظهير ونشر القانون في الجريدة الرسمية (غشت 2025). هذا التسلسل لا يقدّم فقط مشهداً زمنياً واضحاً، بل يشي أيضاً بإرادة سياسية لإخراج الإطار التنظيمي قبل الدخول في المراحل الحاسمة لإنجاز التزامات البنيات التحتية والحوكمة مع الهيئات الدولية (فيفا/كا.

2 -الطبيعة القانونية للمؤسسة ولمجال تدخلها

يُعرّف القانون «مؤسسة المغرب 2030» باعتبارها «مؤسسة ذات منفعة عامة، غير ربحية، متمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي»، ومقرّها بالرباط. ويحدّد موضوعها في التعاون مع الإدارات والهيئات المعنية من أجل الإعداد والتنظيم والتثمين لكل التظاهرات الدولية لكرة القدم التي تُسند للمملكة من طرف الفيفا أو الكاف أو التي تُنظم تحت إشرافهما، وذلك إلى غاية تنظيم كأس العالم 2030. إنّ نقل المهمة من مجرّد «لجنة تنظيم» إلى «مؤسسة ذات منفعة عامة» يوسع أفق التدخل من حدث رياضي ظرفي إلى مشروع بنيوي متعدد الأبعاد والآثار، يستدعي تنسيقاً قطاعياً وترابياً عميقاً.

-3 الخلفية السياسية-الاستراتيجية

المؤسسة تأتي تنزيلاً لتوجيهات ملكية سابقة قصد تحويل مونديال 2030 إلى رافعة تنموية طويلة المدى، وليس مجرد استضافة رياضية. كما أنّ الحكومة قدّمت المؤسسة بوصفها «مايسترو» للتنسيق بين كل الفاعلين بغية تسريع الأوراش الكبرى المرتبطة بالمنشآت الرياضية والنقل والصورة الدولية للمغرب. بهذا المعنى، يمثّل الإطار الجديد انتقالاً من فكرة «حكومة للمونديال» المتداولة إعلامياً إلى هندسة مؤسّساتية متخصصة، رشيقة، محددة الأجل والمهام.

المحور الثاني: معمار الحوكمة والاختصاصات التنفيذية

-1أجهزة المؤسسة ورئاستها

ينصّ القانون على أربعة أجهزة: رئيس، مجلس تنفيذي، مجلس استشاري، ولجنة للتدبير الترابي. ويتولّى الرئاسة رئيسُ «لجنة كأس العالم 2030 – المغرب»، بما يضمن قيادة موحّدة بين جهاز التنسيق الوطني ولجنة الحدث العالمي. ويتشكّل المجلس التنفيذي من الرئيس وسلطات حكومية معنية (الداخلية، الخارجية، الرياضة، والميزانية)، مع إمكان دعوة قطاعات أو مؤسسات عمومية أخرى بحسب طبيعة القضايا. هذه الصيغة تمنح المؤسسة نافذة تنفيذية مباشرة على مفاصل القرار العمومي، وتُذيب الحواجز البيروقراطية في الملفات العرضانية.
القراءة المؤسّساتية تُظهر أنّ المزج بين تمثيل سياسي-حكومي (وزارات سيادية وتنفيذية) وبين قيادة فنية متخصصة (رئيس لجنة المونديال) يوفّر مساراً سريعاً لاتخاذ القرار، مع قابلية لاستدعاء كل من يلزم حضوره حسب الموضوع. هذا التصميم يتوخّى السرعة وإزالة «عنق الزجاجة» الإداري، لكنه في المقابل يفرض بناء آليات دقيقة للمساءلة الداخلية والخارجية حتى لا تتحول السرعة إلى «تفويض مطلق.

-2الوظائف والاختصاصات العملية

بحسب النصوص الرسمية والتصريحات الحكومية، تتلخّص المهام في: تسريع الأوراش التنموية المرتبطة بالتظاهرات الدولية؛ استكمال وتأهيل البنى الرياضية (الملاعب) وبُنى النقل الأساسية (مطارات، سكك، طرق)؛ ضمان تنظيم التظاهرات وفق الالتزامات الدولية المنصوص عليها في دفاتر التحملات؛ التنسيق الوثيق مع الفيفا والكاف؛ الإشراف على التخطيط الشامل وتتبع تنفيذ الالتزامات؛ دعم الجهات والأقاليم المحتضِنة؛ وتعزيز الصورة الدولية للمغرب. إنّ تجميع هذه المهام في مؤسسة واحدة يقصد به كسر «تشتت المسؤولية» وإسناد «ملكية» المشروع لكيان واضح المرجعية.

-3العلاقة مع المستويات الترابية

تضمّ البنية المؤسّساتية «لجنة للتدبير الترابي»، وهي إشارة قانونية مهمة إلى أنّ المؤسسة لن تعمل بمعزل عن الجماعات الترابية والولاة والعمال، بل عبر ربط القرارات التنفيذية بالخصوصيات المكانية وتفاوت الجاهزية. هذا يُسعف في تحويل منطق «مشروع وطني واحد» إلى مشاريع ترابية متمايزة، مع الحفاظ على وحدة المعايير الزمنية والوظيفية التي يُمليها دفتر التحملات الدولي

-4 واجب التقرير والتواصل المؤسّسي

ينصّ الإطار على إعداد برنامج عمل سنوي، ونظم داخلية للتسيير والأسواق والموارد البشرية، وميزانية وحسابات سنوية، فضلاً عن تقرير يُرفع دورياً إلى الجهة العليا، بما يُدخل المؤسسة في دائرة التزامات تقريرية واضحة ويؤسس لتراكم مؤسّسي قابل للتقييم بعد 2030

المحور الثالث: التمويل، الشراءات العمومية، والشفافية

-1 مصادر التمويل

تفيد الوثائق التفسيرية أنّ تمويل المؤسسة سيكون عبر: تحويلات الدولة أو أي مؤسسة عمومية، التبرعات والهِبات والوصايا، إضافة إلى موارد متنوعة أخرى. هذا المزيج يسمح بمرونة مالية، لكنه يستدعي، في المقابل، قواعد شفافية مضاعفة في القبول والصرف والتتبع، وخاصة حين يتقاطع المال العام مع هِبات ذات مصدر خاص

-2نظام الصفقات والموارد البشرية

يُناط بالمجلس التنفيذي اعتماد نظام خاص بالأسواق (الشراءات العمومية) ونظام أساسي للموارد البشرية، إلى جانب البرنامج والميزانية والحسابات. هذا يفتح الباب أمام «كود» تشغيل وشراءات مكيَّف مع صرامة الآجال وحجم الأشغال، دون التنازل عن مبادئ المنافسة والشفافية والمساواة في الولوج. في التجارب المقارنة، غالباً ما تُبنى أنظمة المشاريع الكبرى على مساطر مُبسّطة (Fast-track) لكنها «مؤطرة» برقابة لاحقة حازمة. ومن ثمّ، فإن إدراج قواعد دقيقة للاختيارات المسبقة (Pre-qualification) وللتحكيم في الطعون ولمساطر التتبع التقني-المالي سيكون عاملاً حاسماً في جودة التنفيذ.

3الحوكمة والمساءلة

من مزايا الصيغة أنّها تجمع الفاعل السياسي (القطاعات الحكومية) بالفاعل التنفيذي (المؤسسة)، ما يقرّب القرار من الموارد والاختصاصات. لكنّ هذا التركيب يتطلّب شبكة رقابة داخلية (لجان تدقيق، مؤشرات نجاعة، نشر دوري للبيانات) وخارجية (تقارير دورية، وتقاطعات محتملة مع اختصاصات رقابية قائمة). إنّ الوضوح في خريطة المخاطر (التكاليف الإضافية، التأخيرات، تضارب المصالح، جودة الإنجاز) والقدرة على «التصحيح في المسار» هما ما يمنح المؤسسة شرعية الأداء، خصوصاً مع ارتفاع انتظارات الرأي العام بخصوص جدوى الاستثمارات وتوزيع منافعها. (إشارات حكومية وإعلامية ركّزت على أنّ المؤسسة هي أداة لتسريع الأوراش وضمان احترام تعهدات الدولة تجاه الفيفا والكاف

المحور الرابع: الأثر المتوقع، الرهانات، والسيناريوهات ما بعد 2030

 

1من «تنظيم حدث» إلى «إرث تنموي»

من منظور السياسات العمومية، لا يُقاس نجاح المؤسسة فقط بقدرتها على تنظيم أحداث مطابقة لدفاتر التحملات، بل—وهنا الأهم—بقدرتها على تحويل الاستثمار الضخم إلى إرث تنموي طويل المدى: ملاعب قابلة للاستدامة اقتصادياً، شبكات نقل تُعيد تشكيل الجغرافيا الاقتصادية على مستوى الربط بين الجهات، فرص شغل جديدة مستدامة، و«قيمة صورة» تُترجَم إلى جاذبية سياحية واستثمارية. النصوص الرسمية ربطت صراحة مهام المؤسسة بتسريع الأوراش الكبرى، وبالترويج الدولي لصورة المملكة، بما يجعل من المشروع منصّة متكاملة للتموقع الإقليمي والقاري.

2التحديات: الزمن، التنسيق، وكلفة الفرصة

أكبر التحديات هي الزمن (سباق مع آجال دولية غير قابلة للتأجيل)، والتنسيق (تعدد المتدخلين وطنياً ومحلياً ودولياً)، وكلفة الفرصة (توجيه موارد ضخمة نحو أولوية محددة زمنياً مقابل ضغط حاجيات اجتماعية مُلحة). لذلك، يصبح وجود جهاز مركزي رشيق ضرورةً لتدبير التعقيد، شرط أن تُدار التوقعات بواقعية وأن تُضبط الأولويات بما لا يُضعف الاستثمار في الصحة والتعليم والخدمات الأساسية. في الخطاب الإعلامي والسياسي، عاد مراراً ربط المؤسسة بفكرة «الحكامة بالتعاقد» مع الفيفا والكاف من جهة، وبالتزامات الدولة الدستورية في العدالة المجالية من جهة ثانية

3الشرعية الاجتماعية والتواصل العمومي

تظلّ شرعية المؤسسة غير قابلة للانفصال عن جودة التواصل العمومي: نشر جداول الإنجاز، نسب التقدم، التكاليف مقابل الميزانية، ومؤشرات الأثر (عدد المقاولات الوطنية المعبّأة، نسبة الإدماج الترابي، أثر النقل على المدد الزمنية، …). وكلّما أمكن جعل البيانات مفتوحة وقابلة للتتبّع، تعزّز رصيد الثقة وتراجع منسوب الإشاعات. فمؤسسةٌ خُلقت «لتُسرّع» تحتاج، بالقدر نفسه، إلى «إبطاء» واعٍ حين يتعلّق الأمر بالتبرير والتفصيل والشرح. وهذا ما تشير إليه موجبات التقرير السنوي، والأنظمة الداخلية المرتقبة في مجال الصفقات والموارد البشرية.

4 ما بعد 2030: تفكيك أم ترصيد؟

بحسب منطوق القانون، يتركّز اختصاص المؤسسة إلى غاية تنظيم مونديال 2030. غير أنّ تراكم الخبرة المؤسّساتية، وشبكات العمل مع الفاعلين الدوليين، وأنماط التنسيق الترابي، كلها عناصر ثمينة قد تدفع المشرّع لاحقاً إلى تفكير براغماتي في كيفية «ترصيد» هذا الرأسمال الإداري: تحويل الخبرات داخل الإدارة، أو الإبقاء على نواة مصغّرة كمركز خبرة، أو إنهاء المهام مع نقل المعرفة. المهم أن لا تُهدر القدرات التي بُنيت تحت ضغط الزمن، وأن تُعاد قراءتها لخدمة سياسات عمومية أخرى. (في هذا الباب، ساهمت بعض التغطيات الصحفية في توضيح أنّ المؤسسة جاءت لحسم نقاش «حكومة المونديال» نحو إطار أقل كلفة سياسية وأكثر فاعلية تنفيذية).

خاتمة

«مؤسسة المغرب 2030» ليست مجرد وعاء قانوني لتنظيم تظاهرات رياضية، بل رهان حوكمة على تحويل حدث عالمي إلى منصة تسريع تنموي. لقد اختار المشرّع نموذج «مؤسسة ذات منفعة عامة» برئاسة موحّدة وأجهزة تنفيذية واستشارية وترابية، مع واجبات تقرير وتمويل متعدد المصادر ونظم داخلية للصفقات والموارد البشرية. وبهذا، يُعوَّل على المؤسسة كي تُدير التعقيد وتختصر المسافات الزمنية وتضمن احترام الالتزامات الدولية، مع إبقاء بوصلة «الإرث» موجّهة نحو العدالة المجالية والاستدامة.
لكن النجاح لن يقاس فقط بيوم صافرة الافتتاح، بل بما سيبقى بعد انطفاء الأضواء: ملاعب قابلة للحياة اقتصادياً، نقل اختصر المسافات فعلاً، وجهات ترابية ارتقت، وشفافية جعلت المواطن يرى أين ذهبت كل درهم وأي قيمة عاد بها. هنا، يتكثّف التحدي الحقيقي: أن تُبرهن المؤسسة أن السرعة يمكن أن تلتقي الجودة، وأن التنظيم يمكن أن يلد تنمية، وأن إطاراً قانونياً محكماً يمكن أن يصنع فرقاً ملموساً في حياة الناس، اليوم وغداً.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...التفاصيل

موافق