المدخل لدراسة القانون(المحاضرة الثالثة) السداسي الأول.

عالـم القانون29 نوفمبر 2021
المدخل لدراسة القانون(المحاضرة الثالثة) السداسي الأول.

                                       تقسيم القواعد القانونية

جري الفقه على تقسيم القواعد القانونية إلى عدة أنواع، تختلف باختلاف زوايا النظر إليها.
فمن حيث طبيعتها القانونية، تنقسم قواعد القانون إلى نوعين:
قواعد القانون العـام ، وقواعد القانون الخـاص.
ومن حيث صورتها تنقسم قواعد القانون إلى :
قواعد مكتوبة وقواعد غير مكتوبة.
ومن حيث تنظيمها للحقوق تنقسم قواعد القانون إلى :
قواعد موضوعية وقواعد شكلية أو إجرائية.
ومن حيث قوتها الإلزامية تنقسم قواعد القانون إلى : قواعد آمرة أو ناهية، وقواعد مفسرة أو مكملة.
الفصل الأول : تقسيم قواعد القانون إلى قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص.
قسم بعض الفقهاء القانون إلى قسمين كبيرين: هما القانون العام والقانون الخاص.
وقبل أن نتناول بالدراسة فروع القانون ،سنلقي نظرة موجزة على تاريخ تقسيم قواعد القانون إلى عام وخاص .
وعليه فإن الدراسة في هذا الفصل ستنحصر في المباحث التالية: تاريخ تقسيم القواعد القانونية إلى قواعد عامة وقواعد خاصة، ومعيار تقسيم القانون إلى قانون عام وقانون خاص وبيان أهميته، مع ذكر فروع القانون العام والقانون الخاص.
المبحث الأول :تاريخ تقسيم القواعد القانونية إلى قواعد عامة وقواعد خاصة.
تقسيم قواعد القانون يرجع إلى زمن بعيد وكان الرومان هم الذين قسموا القانون إلى عام و خاص، وقد كانوا يعتبرون أن كل ما يتعلق بتنظيم الشيء العمومي وتحقيق المصلحة العامة للمجتمع يعتبر من قبيل القانون العام، أما القواعد التي تتعلق بتنظيم معاملات الأفراد و مصالحهم فتعد من قبيل القانون الخاص.
ويرجع البعض تقسيم القانون إلى سبب جوهري واضح يكمن في الصراع بين مذهب الاقتصاد الحر وبين مذهب تدخل الدولة ،فالليبرالية تدعو إلى تضييق نطاق القانون العام وتوسيع رقعة القانون الخاص ، أما مذهب تدخل الدولة فيدعو إلى تضييق نطاق القانون الخاص وتوسيع رقعة القانون العام .
وقد وجهت لهذا التقسيم انتقادات تتمثل في أنه تقسيم تاريخي وأن قيمته التاريخية أكبر من قيمته العملية أو العلمية ،بالإضافة إلى أنه تقسيم ينال من وحدة القانون، فالقانون من حيث جوهره واحد سواء من حيث مصدره السلطة الجماعية ,أو من حيث الرابطة الداخلية الوثقى التي تربط الأفراد بالجماعة وبالدولة وبالجماعات السياسية.
غير أنه لا يزال هذا التقسيم مستقرا إلى يومنا هذا حتى من جانب الفقهاء الذين يهاجمونه ،إذ هو ذو فائدة عملية واضحة ناشئة عن التفرقة الواجبة في المعاملة بين الدولة صاحبة السلطان في الجماعة وبين الأفراد الخاضعين لهذا السلطان.
و مع ذلك فأحيانا تكون قواعد القانون منظمة لعلاقات بين الأفراد والدولة باعتبارها شخصا معنويا يسعى لتحقيق مصلحة خاصة كفرد عادي ويتمثل ذلك في حالة بيع الدولة أملاكها أو تأجير عقاراتها ،ففي هذه الحالات لا تمارس الدولة سلطاتها لتحقيق مصلحة عامة، بل تتعامل مع الأفراد لتحقيق مصلحة خاصة.
ومن هنا يمكن القول أن القانون العام هو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات أي كان نوعها كلما كانت الدولة طرفا فيها باعتبارها صاحبة سلطة و سيادة.
أما القانون الخاص فهو مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات أيا كان نوعها فيما بين الأفراد أو فيما بين الأفراد والدولة باعتبارها شخصا معنويا لا يمارس سيادته ولا سلطته.
المبحث الثاني : معيار تقسيم القانون إلى قانون عام وقانون خاص وأهميته
تقسيم قواعد القانون إلى قانون عام وقانون خاص مازال معمول به لحد الآن ،غير أنه ليس هناك إجماع بين الفقهاء حول معيار تقسيم قواعد القانون إلى قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص ، مما أدى إلى اختلاف هذه المعايير وتعددها ،غير أننا سنقتصر على ذكر أهمها وذلك من خلال المطلبين التاليين:
المطلب الأول : معيار التمييز بين القانون العام والقانون الخاص
قد عمل بعض الفقه على التمييز بين القانون العام والقانون الخاص معتمدا على بعض المعايير أهمها:
أولا : معيار القواعد الآمرة والقواعد المكملة.
يرى بعض الفقه أن معيار التفرقة بين القانون العام والقانون الخاص يكمن في درجة إلزام قواعد القانون ، فقواعد القانون العام ذات طبيعة آمرة لا يجوز الاتفاق على مخالفتها ، أما قواعد القانون الخاص فذات طبيعة مكملة يمكن للأفراد الاتفاق على مخالفتها صراحة أو ضمنا .
غير أن هذا المعيار غير دقيق ,وعليه إذا كانت قواعد القانون العام كلها قواعد آمرة ، لأنه يعتبر قانون الخضوع والسيطرة ،فإن قواعد القانون الخاص ليست كلها قواعد مكملة ، فهناك قواعد كثيرة ذات طبيعة آمرة لتعلقها بالنظام العام ولا يجوز للأفراد الاتفاق على ما يخالفها ، ومن ذلك قانون الأسرة وقواعد الميراث والحقوق العينية.
ثانيا : معيار المصلحة المراد تحقيقها.
يرجع بعض الفقه أيضا تقسيم القانون إلى طبيعة المصلحة المراد تحقيقها، ذلك أن القانون العام يغلب عليه طابع تحقيق مصلحة الدولة ، أي المصلحة العامة كبناء المرافق العمومية من مدارس ومستشفيات وشق الطرق وتعبيدها وتنظيم المرور وضمان الأمن والحرية للمواطنين وغير ذلك من الأعمال التي تعود بالنفع العام ، أما القانون الخاص فيغلب عليه طابع تحقيق المصلحة الخاصة أي :مصلحة المخاطبين بأحكامه ، فالأحكام التي تنظم على سبيل المثال عقود البيع والكراء والشغل والنقل كلها أحكام تهدف إلى خدمة المتعاقدين من تجار وعمال ومسافرين وغيرهم .
إلا أن هذا المعيار غير دقيق وهو ينتهي حتما إلى الخلط بين القانون العام والقانون الخاص،ذلك أنه من الصعوبة فصل المصلحة العامة عن المصلحة الخاصة ،فالقانون العام عندما يهدف إلى تحقيق مصلحة عامة فإن تحقيق هذه المصلحة يستتبع بذلك تحقيق بعض المصالح الخاصة ،فالزواج مثلا هو من أنظمة القانون الخاص فهو يحقق مصالح خاصة فردية ،غير أنه يحقق أيضا مصلحة عامة للجماعة والمتمثلة في تكوين الأسرة وتنظيم العلاقات بين أفرادها .
ويرى بعض الفقه أن هذا المعيار قريب إلى الصواب ،بحيث يصلح كنقطة بداية للوصول إلى معيار أسلم وهو معيار طبيعة العلاقة القانونية نفسها ذلك أن صفة الأطراف فيها إنما تستمد من هذه الطبيعة .
ثالثا : معيار صفة أطراف العلاقة القانونية.
يميل غالبية الفقه إلى أهم معيار اقترحه لحد الآن وهو مستمد من صفة الأشخاص الخاضعين للقانون العام أو القانون الخاص ،وطبقا لهذا المعيار ،فإن القانون العام يدور حول فكرة السلطة العامة ، فهو القانون الذي ينظم تكوين السلطات العامة في الدولة والعلاقات فيما بينها ، وينظم كذلك العلاقات بين هذه السلطات وبين الأفراد ، أما القانون الخاص فهو القانون الذي يحكم العلاقات بين الأفراد العاديين ، أو بين الأفراد العاديين وبين الدولة والأشخاص العامة في الحالات التي تتجرد فيها هذه الأشخاص عما لها من سلطة عامة .
فهذا المعيار يقوم على اعتبار الدولة صاحبة السيادة في العلاقة التي تنظمها القاعدة القانونية داخل المجتمع على أساس السيطرة من جهة وعلى أساس المساواة من جهة أخرى.
رابعا : معايير أخرى منتقدة
1- معيار العلاقة المالية :
العلاقات القانونية هي علاقات مالية أو غير مالية ،فالعلاقات المالية هي تلك العلاقات التي لها قيمة مالية كالبيع والشراء والتجارة والعمل وغيرها وهي علاقات ينظمها القانون الخاص ، أما العلاقات الغير مالية فهي تلك العلاقات التي ليست لها قيمة مالية مثل الجنسية التي تمثل علاقة غير مالية بين المواطنين والدولة التي يحل جنسيتها
2- معيار الدولة كطرف في العلاقة:
اختار بعض الفقه تدخل الدولة كطرف في العلاقة معيارا للتمييز بين القانون العام والقانون الخاص ، فالقانون العام هو ذلك القانون الذي تكون الدولة أو أحد فروعها طرفا فيه ، أما القانون الخاص هو ذلك القانون الذي ينظم علاقات الأفراد فيما بينهم فقط .
غير أنه لا يمكن الأخذ بهذه المعايير ، لأن الدولة الآن كثيرا ما تربطها بالأفراد علاقات لا بوصفها صاحبة سلطة وسيادة وإنما بوصفها شخص معنوي عادي كبقية الأشخاص المعنوية الخاصة ،فتخضع بذلك لقواعد القانون الخاص .
المطلب الثاني : أهمية تقسيم قواعد القانون إلى قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص.
إن الحكمة من التمييز بين قواعد القانون الخاص والقانون العام ،أن الدولة إذ تمارس سيادتها أحيانا ،إنما تعمل على تحقيق مصلحة عامة لها من الأهمية في حياة الجماعة ما يستدعي رعاية خاصة كثيرا ما تضحي في سبيلها بالمصالح الخاصة للأفراد ،الأمر الذي يقتضي وضع قواعد خاصة تختلف في قليل أو كثير عن تلك التي تنظم العلاقات بين أشخاص يعملون لمصالحهم الخاصة أو بين أشخاص منهم من يتمتع بالسيادة ، لكن المصلحة التي يهدف إلى تحقيقها لا تستدعي استخدام السيادة .
وهكذا تتعدد أهمية هذا التقسيم العملية في :
1- أن قواعد القانون العام كلها قواعد آمرة لا يجوز مخالفتها، لأن المقصود بها حماية الصالح العام ، أما قواعد القانون الخاص فهي قواعد آمرة ومكملة يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها .
2- إن السلطات العامة التي تنتمي إلى القانون العام من حيث تمتعها بالسيادة داخل المجتمع، تتمتع بعدة امتيازات لا تتوفر للأفراد ، فهي تصدر قرارات بفرض تكاليف عامة أو خاصة على الأفراد ، ومن ذلك إصدار قرار بنزع ملكية عقار للمنفعة العامة ، أو الاستيلاء مؤقتا على مال مملوك لأحد الأفراد .
كما أن العقود التي تبرمها الدولة يخولها فيها القانون العام حقوقا لا يخولها للأفراد ، من حيث الحق في إلغاء العقد أو تعديل شروطه أو توقيع جزاء على الإخلال بتنفيذه .
3- أن أموال الدولة باعتبارها مخصصة للمنفعة العامة تتمتع بحماية خاصة لا تتمتع بها أموال الأفراد، حيث أن كلا منهما له نظام قانوني خاص، فالأموال العامة لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم عكس الأموال الخاصة.
4-أن اختلاف العلاقات المنظمة للدولة مع عمالها عن تلك التي تخضع لها علاقة رب العمل بعماله من خلال عقد العمل، حيث يسمح للعمال بالتوقف عن العمل وخوض الإضراب ، بينما لا يتصور ذلك عادة في علاقة الموظفين بالدولة صاحبة السيادة ، خاصة وأنهم يقومون على تسيير المرافق العامة التي لا تحتمل التوقف .
5-أن اختلاف الأحكام القانونية بين القانون العام والقانون الخاص أدى إلى وجود قضاء إداري متخصص في حل النزاعات المتعلقة بالقانون العام يستقل عن القضاء العادي المتخصص في حل النزاعات المتعلقة بالقانون الخاص .

المصدر الدكتور مرزوق أيت الحاج
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق