نقدم لكم بداية مقدمة الموضوع و منهجيته المعتمدة على أن تجدون البحث بشكل كامل أسفل هذا التقديم و منهجيته المعتمدة بشكل:pdf.
مقدمـــــــــــــــــــــــــــة.
يعود أقدم استعمال لمصطلح الملكية الفكرية intellectual property بالصيغة الإنجليزية، إلى سنة 1845، الذي أُطلِق على ما سُمي بـ”أعمال العقل” [1]ومن مجرد ظهوره مرة واحدة في تقارير المحاكم الفيدرالية الأمريكية قبل عام 1900م إلى طهوره مرتين في الثلاثينات، وست في الأربعينات، فإنه يقفز إلى 287 مرة في الثمانينات، ثم إلى 829 مرة في التسعينات[2]، ومنذ ظهور هذا المصطلح، وارتباطه بهذا الوصف وهذا القفز، دار جدل فلسفي وقانوني واقتصادي وسياسي شكَّل ما يُسمَّى بـ (نظرية الملكية الفكرية).
وعلى الرغم من أهمية مصطلح (النظرية) هنا، إلا أن التداول الشائع في الاستعمال هو (قانون الملكية الفكرية). ولا شك أن ثمة فروقاً ودلالات مهمة تكمن وراء تغييب الأبعاد النظرية، ومن ثم وراء التأكيد والإبراز للأبعاد القانونية التي لا تشكل إلا عنصراً من عناصر موضوع نظرية الملكية الفكرية، وأتصور أننا في سياق الثقافة العربية بحاجة ماسة إلى تأكيد واستثمار إيجابيات البعد الأول في قضية الملكية الفكرية، أي البعد النظري، وذلك باعتبار أن هذا المنظور يمكّن من جعل هذه القضية نسقاً مفتوحاً لإعمال الفكر، وللتخلص من آفة التبعية الذهنية، أي إعمال نوع من النقد الثقافي على تلك العمليات الداخلية والخارجية التي تنتج هذه القوانين. فأي قانون هو في نهاية الأمر خطاب، أي ترجمة لعلاقات السلطة والقوة والإيديولوجيات في سياق تاريخي اجتماعي وسياسي واقتصادي معين.
ولعل قدراً من التتبع والتأمل في تطور السياق التاريخي لنظرية الملكية الفكرية يمكن أن يصل إلى جملة من الاستنتاجات والدلالات التي تشير إلى ما تشهده هذه القضية – خاصة بدءاً من تسعينيات القرن الميلادي الماضي- من تحولات فكرية بالغة الأهمية بالنسبة لنا، وبخاصة على ضوء المشكلات التي تفاقمها النظرية القائمة فيما يتعلق بسياسات الاحتكار العلمي والثقافي والمعرفي الذي تمارسه دول المركز الرأسمالي، والترسيخ المتنامي لإمبراطورية شركات الناشرين، وما يترتب على كل ذلك من توسيع الفجوة في المشاركة الثقافية في العصر الحاضر وفي المستقبل.
إن هذه الحركة الفكرية النقدية استطاعت أن تطرح للمساءلة والتمحيص مرتكزات أساسية قامت عليها المفاهيم القانونية والاقتصادية والمعرفية في النظرية التقليدية للملكية الفكرية، حتى وصل الأمر إلى درجة تنبؤ أحد المفكرين – خوليو كول- بموت هذه النظرية التقليدية[3] وأرجو أن نتأمل معاً دلالة عناوين عينة الدراسات التالية التي تمثل ثلاثة اتجاهات في نقد هذه النظرية:
– هل براءات الاختراع وحقوق النشر مبررة أخلاقياً؟ لـ: توم بالمر- 1990م.
– البراءات وحقوق الملكية: هل تفوق الفوائد التكاليف؟ لـ: خوليو كول- 2001م.
– ضد الملكية الفكرية. لـ: ستيفن كانسيللا- 2001م.[4]
فالدراسة الأولى تكشف عن غياب التبرير الأخلاقي للنظرية القائمة، والدراسة الثانية تكشف عن تهاوي التبرير الاقتصادي لها، والدراسة الثالثة تقدم هجوماً نقديا شاملاً.
وفي هذا السياق النقدي يفيض عدد من المفكرين في تقويض أسس المماثلة بين الملكية المادية والملكية الفكرية. فعلاقة مالك سيارة بسيارته لا تماثل علاقة شاعر بقصيدته: في الحالة الأولى يؤدي الاستعمال إلى الاستنفاد والاستهلاك. أما في الحالة الثانية فيؤدي الاستعمال إلى النمو والازدياد والانتشار. في الحالة الأولى يؤدي الحصول على أي قدر من ناتج الملكية (أجرة مقابل توصيل مثلاً) إلى منع الآخر من استعمال هذا القدر، أو حرمانه منه. أما في الحالة الثانية فإن ملكية القصيدة لشاعرها لا تمنع الآخرين من قراءتها، أو الاقتباس منها، أو الاستشهاد بأبياتها، أو التناص مع ثيماتها وصورها. هذه الفروق قادت بعض المفكرين إلى القول بأن “كل فعل من أفعال الاستهلاك هو عمل من أعمال التأليف”[5] وأن “العمل الذي ينجزه المشاهدون والمشجعون، من القراءة إلى إعادة الكتابة، يضيف قيمة إلى السلعة الإبداعية”. بل وصل الأمر في الفكر الفلسفي إلى القول بأن “الترجمة ترقى إلى مستوى الكتابة الإبداعية ذاتها”،ولذا يفضل دريدا أن يطلق عليها مصطلح (التحويل)[6].
إن الحجة التي تستند إليها النظرية التقليدية في المماثلة بين الملكية الفكرية والملكية المادية هي أن المالك في الحالتين يملك جسده وعمله، ومن ثم فمن حقه الطبيعي أن يملك الناتج من جسده وعمله، وأن يكون له العائد من هذا الناتج. ولكن هذه المقارنة تغفل أمراً مهما وهو اختلاف أساس الملكية ومصدرها في الحالتين: فملكية قطعة أرض مثلاً مستمدة دائماً من مالك محدد: بائع، أو مورِّث، أو متنازل، وبعد انتقال ملكيتها تنقطع علاقتها بالمالك القديم. أما العمل الفكري الذي يضعه مؤلف ما فهو يستمد مكوناً جوهرياً في وجوده من مصادر متعددة ومتنوعة: الأفكار والمعارف والمعاني الثقافية والمعرفية والإبداعية السابقة في الحقل أو في المجال. فهو إذن وجود ليس منقطع العلاقة عن ملكية عامة هي تاريخ الأفكار وتحولاتها في السياق المعين الذي يسميه بورديو بـ”الحقل الثقافي” حيث يشير إلى أن “تطور الحقول (الثقافية) هو عملية تاريخية مطولة … لنوع معين من المعرفة التي تراكمت في أعمال سابقة”،[7]وقد يتطرف هذا النمط من التفكير ليصل إلى حد القول بأن الإبداع إنما هو “نسخة منقحة”. ولكن ما يبدو أقرب إلى منطق الأشياء هو ما تذهب إليه جوليي كوهن –أستاذة القانون في جامعة جورج تاون- من أنه “لا المبدعون الأفراد، ولا النماذج الاجتماعية والثقافية، هو ما ينتج الثقافة الفكرية والفنية، وإنما التفاعلات الحيوية بين الطرفين”، فالإبداعية الفكرية والفنية في جوهرها عملية علاقية،[8] أي عملية حوارية؛ ومن ثم فإن كل عمل من أعمال الفكر إنما هو “عمل مشتق”ولقد ترتب على هذه الاجتهادات المعرفية – وبخاصة تلك التي اعتمدت على استبصارات مابعد الحداثة- أن تمَّ تقويض فكرة أساسية في النظرية التقليدية للملكية الفكرية وهي: فكرة فرادة المؤلف وعبقريته. وهو تقويض استمد استدلالات قوية من التاريخ التحليلي لفكرة (المؤلف) في سياق الثقافة الغربية. ففي العصور الوسطى مثلاً يقدم القديس بونافينتورا التصنيف التالي: “قد يكتب الشخص أعمال الآخرين، فلا يضيف ولا يغير، فهو في هذه الحالة يسمَّى (الناسخ scribe). وقد يكتب آخر عمل آخرين مع إضافات ليست له؛ فيسمى (المصنِّف Compiler). وقد يكتب آخر عمل آخرين وعمله، ولكن الصدارة تكون لعمل الآخرين؛ فيسمى في هذه الحالة (المعلق)… ويكتب آخر عمله وعمل آخرين ولكن الصدارة لعمله مع إضافة عمل الآخرين للتأكيد، فهنا يجب أن يسمى (المؤلف)”.[9] كذلك فإن هذا التقويض استثمر معطيات فكرية حديثة مثل نظرية رولان بارت في (موت المؤلف) لحساب القارئ، ونظرية ميشيل فوكو في (المؤلف الوظيفة author function)، أي المؤلف بوصفه وظيفة في الخطاب، وليس كما جرت عادة النظر إليه “بوصفه الشخص البطولي الذي يتعالى على التاريخ أو يخطو خارجه” فالمؤلف إذن لحظة تاريخية؛ أي أنه لا يملك “أفكاراً جديدة بشكل كلي”، وتمثل له “الأفكار السابقة أحجار الأساس سواء بقبوله لها أم برفضها” ولقد قدمت منهجية توماس كون في (بنية الثورات العلمية) أقوى دعم فلسفي لهذه الفكرة.[10]
نخلص من كل ذلك إلى أن نظرية الملكية الفكرية التقليدية التي انبثقت منها القوانين والاتفاقيات الدولية القائمة حتى الآن لا تبدي نجاعة إلا في حالة واحدة وهي حالة الاستيلاء والسلب؛ أي سرقة العمل بكامله، أو سرقة جزء منه بنصه الحرفي، دون عزو إلى صاحبه، ومع ترتيب أثر تربحي مادي أو معنوي على ذلك. أما ما عدا ذلك من تفاعلات الأعمال الفكرية والإبداعية، واشتقاق بعضها من بعض، وتعليقات بعضها على بعض، فهو –من جهة أولى- خاضع لأحكام القيمة الثقافية التي يتداولها ويستشرف آفاق الجدة والإضافة فيها أهل اختصاص الحقل الثقافي المعين، وليس القانونيون، وهو خاضع –من جهة ثانية- للتنقية الذاتية التي تكرسها الأخلاقيات العامة؛ أي أنه خاضع لقواعد المسئولية، وليس لقواعد الملكية.[11] وفي هذا الإطار فإن نقاد قوانين الملكية الفكرية يدعون إلى أن تنظر هذه القوانين إلى الثقافة الفكرية والفنية “ليس بوصفها فئة من المنتجات، وإنما بوصفها فئة من الشبكات العلاقية المتبادلة الارتباطات من الفاعلين، والموارد، والممارسات الإبداعية النامية”[12]
ولعل ذلك يذكرنا بالمغزى الحواري بين النصوص الذي يتجلى في التأليف العربي القديم حيث حوار الحواشي والتعليقات والشروح مع المتن، فضلاً عن حوار التعالق النصي بين متون الحقل الواحد. وعلى هذا الضوء يمكن القول إننا بحاجة إلى تأسيس نظرية للملكية الفكرية لا تقوم على مبدأ (المنافسة) الذي يفضي إلى الاحتكار فالندرة فالصراع، وإنما على مبدأ (الإتقان) الذي يفضي إلى الإبداع، الإتقان بوصفه قيمة عليا مرغوبة لذاتها، ولما يترتب عليها من تقدم جماعي حقيقي. وهنا لا بد أن نشير إلى تلك القاعدة المنهجية: المعرفية والأخلاقية معاً التي تقدمها الحضارة الإسلامية: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”.
و حتى يسهل علينا الوقوف على مفهوم الملكية الفكرية بشكل أدق، لنصل بعد ذلك إلى إستجلاء أهم التطورات التي وصلت إليه هاته الأخيرة من خلال قوانينها (المبحث الأول) و بالتالي إستخلاص أبرز مظاهر الحماية القانونية للملكية الفكرية التي وصلنا إليها (المبحث الثاني)، وهو ما سنحاول الغوص فيه عبر معالجة الإشكالية المحورية التالية: إلى أي حد يمكن القول أن المغرب شهد تطورات إيجابية و ملموسة على مستوى الحماية القانونية للملكية الفكرية؟
و الإجابة عن هاته الإشكالية إقتضت منا تجزيئها إلى إشكاليات جزئية كالتالي :
ما هي أهم التطورات و التغييرات التي شهدتها الملكية الفكرية عبر التاريخ ؟
و إلى أي حد يمكن القول أن التغييرات التي عرفتها إيجابية من خلال إنعكاساتها على على الفرد و المجتمع؟
و ماهي أبرز مظاهر الحماية القانونية للملكية الفكرية على ضوء التشريع المغربي؟
و ما الذي يمكن تكهنه في ظل التطورات المستمرة التي مازالت تشهدها الملكية الفكرية في المغرب؟
المراجع المعتمدة في المقدمة:
[1] – مقال حول الملكية الفكرية مأخوذ من الرابط التالي: http://www.csmonitor.com/2006/0511/p14s01-lire.html
[2] – عبد السلام بن عبد العالي: في الترجمة. (سلسلة فلسفة). (دار الطليعة – بيروت- 2001م) ص19
[3] – Cole, Jolio: Patents and Copyrights: Do the Benefits Outweigh the Costs? , (2001) 15 J. LIBERTARIAN STUD. p.95
[4] – Kensella, N. Stephan (2001): “Against Intellectual Property” Journal of Libertarian Studies. Vol. 15, n. 2. 1-53. in: www.mises.org
[5] – جون هارتلي (محرر) ترجمة بدر السيد سليمان الرفاعي: الصناعات الإبداعية (عالم المعرفة – أبريل 2007- الكويت). ص154
[6] – عبد السلام بن عبد العالي: في الترجمة. (سلسلة فلسفة). (دار الطليعة – بيروت- 2001م) ص19
[7] – ديفيد إنغليز & جون هغسون (تحرير) ترجمة: د. ليلى الموسوي- مراجعة د. محمد الجوهري: سوسيولوجيا الفن: طرق للرؤية (عالم المعرفة – الكويت- يوليو2007م) ص254.
[8] – الصناعات الإبداعية. ص150.
[9] – انظر إقرار أحد القضاة الأمريكيين بذلك في: Cohen, Julie E., (2007): “Creativity and Culture in Copyright Theory” p.1162- 1163.
[10] – نفس المرجع السابق.
[11] – rewa, B. Olufunmilayo: “The Freedom to Copy: Copyright, Creation and Context” p. 482- 483
[12] – نفس المرجع السابق: Cohen, J., p. 118
المنهجية أو خطة العمل المعتمدة في الموضوع:
المبحث الأول: الإطار المفاهيمي و القانوني للملكية الفكرية. 7
المطلب الأول : التدقيق المفاهيمي للملكية الفكرية. 7
الفقرة الأولى : السياق التاريخي لمفهوم الملكية الفكرية. 7
الفقرة الثانية : حول دلالات الواقع الراهن لمفهوم الملكية الفكرية. 9
المطلب الثاني : الإطار القانوني للملكية الفكرية. 14
الفرع الأول : المصادر الوطنية لحقوق الملكية الفكرية. 14
الفقرة الأولى : تطور قوانين الملكية الصناعية بالمغرب. 15
أولا : قانون منطقة الحماية الفرنسية. 15
ثالثا : قانون المنطقة الشمالية. 16
رابعا : قانون رقم 97-17 المتعلق بحماية الملكية الصناعية. 17
الفقرة الثانية : تطور قوانين الملكية الأدبية والفنية بالمغرب. 19
الفرع الثاني : المصادر الدولية لحقوق الملكية الفكرية. 22
الفقرة الأولى : الاتفاقية المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتجارة. 23
الفقرة الثانية : الاتفاقيات الخاصة بكل نوع من حقوق الملكية الفكرية. 24
أولا : الاتفاقيات الخاصة بحماية الملكية الصناعية. 24
ثانيا : اتفاقيات خاصة بحماية الشارات المميزة 28
ثالثا : الاتفاقيات الخاصة بحماية الملكية الأدبية والفنية. 29
المبحث الثاني : مظاهر الحماية القانونية للملكية الفكرية وفق التشريع المغربي. 30
المطلب الأول : أهمية الملكية الفكرية. 31
المطلب الثاني: مظاهر الحماية القانونية الدولية و الوطنية للملكية الفكرية. 33
الفرع الأول : مظاهر الحماية القانونية للملكية الفكرية دوليا. 34
الفقرة الأولى: المنظمة العالمية للملكية الفكرية. 34
الفقرة الثانية: الهيئات الدولية الخاصة لحماية حقوق المؤلف. 40
الفقرة الثالثة: الهيئات الإقليمية المحلية. 40
المطلب الثاني: مظاهر الحماية القانونية الوطنية للملكية الفكرية. 41
الفرع الأول: الديوان الوطني لحقوق المؤلف. 42
الفرع الثاني: طرق حماية حقوق المؤلف. 44
الفقرة الأولى :الإجراءات التحفظية. 44
الفقرة الثانية :الدعوى الجزائية. 47
أولا: جنحة التقليد والتزوير: 47
ثالثا: بالنسبة لعقوبة التبعية. 49
خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة: 50
للحصول على الموضوع كاملا يمكنكم ذلك من خلال الرابط أسفله:
إضغط هنا: بحث إجازة حول الملكية الفكرية