نظرا لكثرة المهام و عجز الإدارة المركزية على تقديم الخدمات العامة بكفاءة وفعالية، دفع هذا الأمر إلى ظهور اللامركزية الإدارية لكي توفر العروض الملائمة لتحقيق الخدمات العامة وتلبية حاجيات المواطنين وتطوير البنية التحتية وبناء حكم أكثر تجاوبا وخضوعا للمساءلة من القاعدة.
الفقرة الأولى: مفهوم اللامركزية
تعرف اللامركزية الإدارية: بأنها تنظيم إداري، بمقتضاه يتم توزيع السلطة داخل الدولة بين الوحدات المركزية المتواجدة في العاصمة الإدارية وبين وحدات ترابية منتشرة في جميع التراب الوطني، أو متخصصة في مجال معين، تتمتع بالإستقلال إداري، مالي وبشري، مع خضوعها لرقابة الوحدة المركزية ضمانا للحفاظ على الإنسجام والوحدة الوطنية.
ونخلص مما سبق، أن اللامركزية الإدارية تهتم بإعادة توزيع السلطة والمسؤولية والموارد المالية لتقديم الخدمات العامة بين مستويات الحكم المختلفة. وتضمن نقل مسؤولية التخطيط والتمويل والإدارة لوظائف عامة محددة من الحكومة المركزية وهيئاتها لفروع الهيئات الحكومية والوحدات التابعة أو مستويات الحكم والهيئات العامة شبه المستقلة أو البلديات على مستوى إقليمي أو وظيفي. هذا ورغم المزايا المتعددة والمتنوعة لهذا النظام،فإنه لايخلو من بعض العيوب.
– مزايا اللامركزية
على غرار ما تتمتع به المركزية الإدارية من مزايا، فإن اللامركزية الإدارية هي الأخرى تتمتع بمجموعة من المزايا وهي كالأتي:
– الحيلولة دون الإنفراد والإستئثار بالسلطة، حيث يتم توزيع السلطات والمسؤوليات على أكثر من مستوى.
– تعظيم قدرة الحكومات المحلية على االستجابة للمكاسب المحلية.
– زيادة فرص المشاركة السياسية في المجتمع، مما يؤدي إلى تجدر القيم الديمقراطية والذي يؤدي بدوره إلى تحقيق الإستقرار السياسي، فمشاركة الأفراد في مناقشة الموضوعات التي تهمهم والقرارات التي تؤثر على حياتهم تؤدي إلى نشر ثقافة المشاركة السياسية كما يؤدي هذا المناخ السياسي إلى تكوين قيادات سياسية محلية والتي سوف تكون في المستقبل قيادات قومية.
– الإسهام في تعزيز الوحدة الوطنية في الدول المتكونة من شرائح قومية أو دينية متنوعة.
– جعل عملية صنع القرار أقرب إلى الأفراد ومن تم يكون هناك تجانس بين السياسات وبين مطالب الأفراد خاصة أن صناع القرار سوف يصبحون مسائلين من قبل المجتمعات المحلية من خلال الإنتخابات المحلية.
– زيادة الوعي لدى المواطنين المحليين بأهميتهم وبأهمية الأدوار التي يقومون بها.
– مساهمة المواطنين المحليين في مشاريع التنمية نتيجة الرغبة في التقدم والمنافسة.
– تحمل المواطنين المحليين مسؤولية مواجهة المشاكل المحلية والعمل على حلها بصورة سريعة.
– غرس الشعور بالولاء والإنتماء للمجتمع المحلي.
– تخفيف العبء عن الحكومة المركزية.
– السرعة في إنجاز المهام وتحقيق الكفاءة في العمل الإداري.
– سهولة التنسيق بين أجهزة الدولة في الإقليم الواحد.
– تحفيز العاملين من خلال إتاحة الفرصة لهم بالمشاركة في عمليات اتخاذ القرار.
– تدريب المدراء في العمالات والأقاليم ، من خلال تفويض الصلاحيات لهم وبذلك تفتح المجال لزيادة خبرتهم والتعلم من خلال الممارسة اليومية.
– تصغير حجم الأجهزة الحكومية لتكون أسهل في إدارتها وأكثر قدرة على الإستجابة لإحتياجات الأفراد وبالتالي يكون الأفراد أكثر قدر ة على محاسبة الحكومة.
– تحقيق كفاءة الإنتاج والتوزيع، فعلى الرغم من الإصالحات الهائلة وإنفاق الموارد،فشلت الكثير من الحكومات المركزية في تقديم الخدمات المحلية بالجودة المطلوبة،لتحسين مستوى معيشة أغلبية السكان. وهذا الفشل لايرجع إلى نقص الموارد بل يرجع إلى عدم الإستخدام الكفء للموارد المتاحة، بسبب بعد الحكومة عن المواطنين. فالموظفون في ظل حكومات مركزية ليست لديهم المعرفة الضرورية عن الظروف المحلية لتقديم خدمات حكومية كفئة. والكفاءة التي توفرها اللامركزية في تقديم الخدمات تعتمد على بعدين هما: الإنتاجية والتخصيص وتتم الكفاءة الإنتاجية عندما يعمل الإقتصاد على إنتاج السلع وفق الإمكانيات المتاحة. أما كفاءة التوزيع فتتوقف على تخصيص الموارد وفقا لرغبات المستهلكين.
– زيادة قدرة السكان المحليين في المناطق التي كانت مهملة من قبل وفي المناطق المحلية على الوصول إلى الموارد الحكومية المركزية بطريقة متزايدة في الدول الأقل تقدما.
– زيادة المشاركة من قبل المجتمعات المحلية التي أصبحت قادرة على التأثير والضغط على الأجهزة الحكومية، مما أدى إلى زيادة نصيب المجتمعات المحلية من الميزانية والموارد القومية.
– الأخذ في الإعتبار التخطيط المحلي في إطار الإستراتيجية الوطنية للتنمية.
ثانيا: عيوب الالمركزية
إذا كان للامركزية العديد من المزايا، فإن لها بعض العيوب مثل:
– إضعاف السلطة المركزية، الأمر الذي قد يؤدي إلى إضعاف التنسيق بين المركز والأقاليم وبين الأقاليم نفسها، والتي هي مسؤولية الإدارة المركزية.
– تجاوز العمالات والأقاليم والإدارات المحلية الخطط الموضوعة في المركز مما ينعكس في إضعاف تنفيذ السياسات العامة للدولة.
– زيادة الأعباء المالية، بسبب تكرار بعض الوحدات كالشؤون القانونية والإدارية على المستوى المحلي.
– تقليل الكفاءة من خلال تحجيم قدرة المجتمعات المحلية على تحقيق اقتصاديات واسعة النطاق في بعض الخدمات، خاصة أن ذلك يؤدي إلى زيادة المخرجات فيما بين قطاعات تقديم الخدمات العامة والتي سوف تؤدي إلى انخفاض الكفاءة في المجتمع.
– الميل إلى الإستقلال وخاصة إذا رافق اللامركزية مشاعر العداء القومي أو الديني أو العرقي.
– عدم المساواة فيما بين المجتمعات المحلية والمناطق، تبعا لإختالف القدرات على مستوى المنظمات المحلية.
– ظهور النخب أو الطبقات النخبوية على المستوى المحلي والتي تلعب دورا أكبر من اللازم في التخطيط والإدارة داخل المحليات.
– انتشار مظاهر الفساد والمحسوبية والإغتراب السياسي في حالة ضعف المساءلة المحلية.
– افتقار المستويات المحلية إلى القدرة على إدارة التمويل العام وعلى وضع إجراءات محاسبية جيدة.
– ضعف السلطات والمسؤوليات التي تنقلها الحكومة إلى الوحدات المحلية ففي أحد الدول قامت الحكومة بتفويض مسؤولية تقديم الخدمات التعليمية إلى مستوى المراكز إال أن الأخيرة لاتستطيع اتخاذ القرارات فيما يخص تعيين وفصل المدرسين أو نقلهم.
ومن أجل ما سبق، يتطلب تطبيق اللامركزية علاقات قوية ومساءلة ما بين كل الفاعلين في عملية تقديم الخدمات العامة وحق المواطنين في مساءلة متخذي القرارات، والسياسيين حول توزيع الموارد لتقديم هذه الخدمات.
ومما تقدم يمكن القول : إن إيجابية أو سلبية كل من الإتجاه اللامركزي يتوقف على طبيعة الموقف ونوع القرارات الإدارية والعوامل البيئية، كما أنه لاتوجد مركزية مطلقة وكذلك المركزية مطلقة ، بل إن الواقع هو مزيج بينهما بنسب متفاوتة. فالإدارة العليا أو
السلطة المركزية في أية دولة أو منظمة لاتستطيع تخويل جميع صلاحيتها اللامركزية مطلقة( إلا إذا كانت النتيجة توقفها عن ممارسة أعمالها، كذلك فإن عدم تحويل الصلاحيات وتركيزها في الإدارة العليا (مركزية مطلقة)لايؤدي فقط إلى إلغاء دور الوحدات الدنيا أو الإدارة المحلية، بل إلى إلغاء الهيكل التنظيمي للمنظمة أو الدولة بالكامل.
والجدير بالإشارة هنا، أن أهمية توزيع السلطات في نمط اللامركزية لاتتعلق بنوع السلطة المفوضة وإنما تتعلق بحجمها، فحسب مقدار السلطة تتحدد اللامركزية:
– عدد القرارات التي يتخذها المسؤولون في المستويات الدنيا ومدى تكرارها، إذ كلما زاد عدد هذه القرارات زادت درجة اللامركزية.
– أهمية القرارات إذ كلما كانت القرارات التي تتخذ في المستويات الدنيا على جانب كبير من الأهمية أمكن القول: إن النظام يتجه نحو اللامركزية.
– مدى الرقابة التي تفرضها المستويات العليا على القرارات التي تتخذها المستويات الأدنى، فكلما قلت هذه الرقابة كان النظام أقرب إلى اللامركزية.
– مدى الرقابة التي تفرضها المستويات العليا على القرارات التي تتخذها المستويات الأدنى، فكلما قلت هذه الرقابة كان النظام أقرب إلى اللامركزية.
وبالإضافة إلى ما سبق، ينبغي أن تكون النظرة إلى اللامركزية شاملة ومتكاملة. فهي
ليست مجرد نقل للمستويات دون سلطات وليست سلطات دون تمكين مالي وفوق ذلك فإنه
لابد من تهيئة المناسبة التي تشجع المواطنين على المشاركة واختيار الأشخاص الذين لديهم القدرة على تحمل المسؤولية أمام ناخبيهم والذين يمارسون أدوارهم بموضوعية بعيدا عن الأهواء الشخصية وفوق كل ذلك فإنها إرادة سياسية وقناعة شخصية.
الفقرة الثانية : صور الالمركزية.
إن أساس توزيع الإختصاصات الإدارية في الهيئات اللامركزية يقدم لنا صورتين أساسيتين هما : اللامركزية الإقليمية واللامركزية المصلحية أو المرفقية.
ويلاحظ أن الصورة الإقليمية للإدارة اللامركزية أقدم في نشأتها من الصورة المصلحية، بمعنى أن اللامركزية الإدارية قد نشأت أول ما نشأت على مستو ى الإقليم وليس على مستوى العاصمة، وهذا ما يوحي به على كل حال تعبير اللامركزية، وكانت الجماعة المحلية النموذج الطبيعي لصورة اللامركزية الإقليمية والتجسيد التنظيمي والواقعي لها.
أما الصورة المصلحية أو المرفقية للإدارة اللامركزية فلم تظهر إلا مع بداية القرن العشرين، حيث كان ظهور هذه الصورة نتيجة لإتساع نشاط الدولة وتعاظم دورها، فبعد أن كانت الدولة في الماضي تقوم بدور الدولة الحارسة التي يقتصر دورها على الأمن والدفاع والعدل أصبحت الدولة الحديثة تقوم بدور دولة الرفاهية التي تتدخل في جميع المجالات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية لإشباع حاجات كانت متروكة من قبل للنشاط الفردي،وذلك بهدف تأمين األمن والرفاهية لشعبها، وهذا التطور في دور الدولة الحديثة أدى إلى توزيع الإختصاصات الإدارية على أساس طبيعة النشاط والحاجة المراد إشباعها وليس على أساس جغرافي أو إقليمي، وهكذا وجدت صورة اللامركزية المصلحية أو المرفقية كأسلوب لإدارة المرافق الإدارية الحديثة التي لا يلائمها الأسلوب الحكومي المركزي والتي تحتاج إلى كفاءات فنية والتي تحرر من الروتين الحكومي حتى أطلق على هذه الصورة من صور اللامركزية الإدارية أيضا اللامركزية المرفقية أو الفنية.
أولا: اللامركزية الإقليمية
اللامركزية الإقليمية تتحقق بمنح جزء من التراب الوطني الشخصية المعنوية، يعني منحه الإستقال الإداري والمالي ويعمل على تحقيق المصالح العامة على المستوى المحلي وتلبية حاجات المجتمع المحلي باعتباره أكثر معرفة لإحتياجاته من الحكومة المركزية، كل هذا يتم تحت إشراف الحكومة ورقابتها.
ثانيا: اللامركزية المرفقية
اللامركزية المرفقية أو المصلحية تتمثل في الهيئات المرفقية المتخصصة التي تمنح لها الشخصية المعنوية والإستقلال الإداري والمالي وتخضع للوصاية الإدارية، وتمارس هذه الهيئات اختصاصاتها طبقا للنظام القانوني الذي يرسمه المشرع عن طريق المؤسسات العامة التي تمارس اختصاصاتها لإشباع حاجات ملحة للمواطنين في مجالات مختلفة اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية أو غيرها.
ويلاحظ أن اللامركزية المرفقية لاعلاقة لها بالتقسيم الإداري الترابي للدولة فهي ترتبط بمرفق عمومي معين قد يمتد على الصعيد الوطني (المكاتب الوطنية) وقد ينحصر محليا كالوكالات المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء وعلى هذا الأساس فاللامركزية المرفقية توصف أيضا بالاركزية تقنية أو خاصة أو لامركزية وظيفية.
وقد عرف مجال تدخل الدولة بواسطة المرافق العامة خاصة بواسطة المؤسسة العامة تناميا موسعا خاصا مند الأزمة الإقتصادية الكبرى لسنة 1929 التي أفرزت محدودية في دور وفعالية القطاع الخاص، مما استلزم تحولا في تدخل الدولة بواسطة قطاعها العام وذلك لإيجاد الحلول الملائمة للأزمة الإقتصادية، وبعد توسع في دور القطاع العام بواسطة المؤسسات والمقاولات العمومية سواء في الدول المتقدمة أو حتى بالنسبة للدول النامية ومنها المغرب، فإن التطورات الحديثة والمعاصرة أعادت الإعتبار لتيار الليبرالية الجديدة،الذي يعتمد مبدأ إقتصاد السوق والذي سيجد تجسيده الأولي في الحد من دور الدولة أي دور المؤسسات والمقاولات العمومية سواء ذات الطابع الوطني أو المحلي.