تنازع الإختصاص بين المحاكم الإدارية و المحاكم التجارية.

تنازع الإختصاص بين المحاكم الإدارية و المحاكم التجارية

تنازع الإختصاص بين المحاكم الإدارية و المحاكم التجارية

مقــــــــــــــــــــدمة:

       يعتبر الاختصاص صلاحية المحكمة للبت في النزاعات والقضايا المعروضة عليها، فيتحدد إما بناء على ما لنفوذها الجغرافي من سلطة فيسمى اختصاصا محليا أو ترابيا، يجد أساسه كقاعدة في الفصل 27 وما يليه من قانون المسطرة المدنية، وإما أن يتحدد بناء على طبيعة ونوع القضايا فيصطلح عليه حينئذ بالاختصاص النوعي وهو المنصوص عليه في الفصول من 11 إلى 26 ق م م، وإما أن يتأسس على قيمة النزاع فيكون اختصاصا قيميا، وقد يكون هذا الاختصاص مرتكزا على توزيع القضايا بناء على صفة في أحد الأطراف، وهو المعروف في قانون المسطرة الجنائية بقواعد الاختصاص الاستثنائية أو ما تعرف بالاختصاص الشخصي أو قواعد الامتياز القضائي المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية في المواد من 264 إلى 268، وهناك اختصاص آخر قوامه توزيع القضايا داخل الدولة توزيعا وظيفيا، وهذا هو الاختصاص الوظيفي القائم على أساس تقسيم القضايا داخل الدولة بين قضائيين أحدهما عادي قمته محكمة النقض، والأخر إداري قمته مجلس الدولة كما هو الحال في النظاميين القضائيين الفرنسي والمصري نموذجا، غير أن النظام القضائي المغربي لم يعرفه وإنما ظهرت بوادره حين خصص له جلالة الملك حيزا في خطابه لسنة 1999 المؤسس للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وكذا محاكم الاستئناف الإدارية حين أشار إلى إحداث هذه الأخيرة  ” في أفق إحداث مجلس الدولة ”

       والاختصاص كان منظما ضمن ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالمسطرة المدنية، حيث لم يكن يعتبر من النظام العام سوى الاختصاص النوعي بمقتضى الفصل 124 منه مع ما يترتب عن ذلك من آثار تظهر في وجوب إثارته من قبل المحكمة تلقائيا، وللأطراف أن يتمسكوا به في أي مرحلة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام المجلس الأعلى المحدث سنة 1957، وظل الحال على ما هو عليه إلى حين صدور ظهير 28 شتنبر 1974 المتعلق بالمسطرة المدنية والملغي للظهير السابق، فسحب صفة الارتباط بالنظام العام من الاختصاص النوعي وجعله والاختصاص المكاني خاضعين لنظام واحد في الفصل 16 منه.

وفي سنة 1993 تم إحداث المحاكم الإدارية بمقتضى القانون 41.90 التي نصت المادة 12 منه أن الاختصاص النوعي فيها من النظام العام، ولم يمض كثير حتى صدر القانون رقم 53.95 المحدث للمحاكم التجارية والاستئناف التجارية، والذي لما عجزت مقتضياته عن تحديد علاقة الاختصاص النوعي بالنظام العام، فيما أبقي كلا الاختصاص المحلي على حالته، وبحلول سنة 2006 تم إحداث محاكم الاستئناف الإدارية بمقتضى القانون رقم 80.03، ويذكر أن مشروع  قانون التنظيم القضائي ومسودة مشروع قانون المسطرة المدنية تعرضا للاختصاص أيضا وجعلا الاختصاص النوعي أمام محاكم الدرجة الأولى فقط من النظام العام.

و بعد إحداث المحاكم المتخصصة التي تفردت كل واحدة منها باختصاصها، فإنه أصبح من المؤكد أن تتداخل بعض اختصاصات هذه المحكمة مع تلك، فقد يحدث تنازع الاختصاص بين المحكمة المدنية والتجارية، أو بين الإدارية وبين التجارية أو بين هذه الأخيرة والمدنية وارتباطا بموضوع السؤال وجوابا عليه في حدود المطلوب، قياسا على الفصل 3 من قانون المسطرة المدنية، فإننا سنبحث في تنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والمحاكم الإدارية

وعليه، فإلى أي حد استطاع المشرع تنظيم تنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية ؟ وما الإشكالات العملية المترتبة عن هذا التنازع ؟

إجابة عن هذه الإشكالية، سنحاول تقسيم الموضوع إلى قسمين على الشكل الآتي :

المطلب الأول : ماهية تنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية.

المطلب الثاني : الإشكالات العملية المترتبة عن تنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية.

المطلب الأول : ماهية تنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية.

سنحاول من خلال هذا المطلب معالجة التنظيم التشريعي لتنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والتجارية من خلال التطرق لمفهومه وشروطه وكذا حالاته ( أولا) ثم الجهة المختصة للبت فيه أو فضة (ثانيا).

أولا : مفهوم تنازع الاختصاص وشروطه وحالاته

عالج المشرع تنازع الاختصاص في قانون المسطرة المدنية في موضعين اثنين، حيث نظم أحكامه في الفصول من 300 إلى 302، و في الفصول من 388 إلى 390 أيضا ضمن المساطر الخاصة أمام محكمة النقض حين تبت فيه محكمة النقض.

عرف المشرع تنازع الاختصاص في الفصل 300 من قانون المسطرة المدنية بأنه حينما تصدر عدة محاكم في نزاع واحد قرارات غير قابلة للطعن تبت إما باختصاصها أو بعدم اختصاصها.

وعليه فتنازع الاختصاص هو تلك الحالة التي تصدر فيها عدة محاكم وغالبا لا تتجاوز محكمتين، مقررین قضائيين يقضيان باختصاص كلا المحكمتين للنظر في القضية المرفوعة أمامهما، أو ينكران اختصاصهما للبت فيها بمقررين بعدم الاختصاص.

أما شروطه فقد حددها الفصل 300 في شرطين رئيسين وهما :

وحدة النزاع من حيث أطرافه ومحله وسببه.

صدور مقررات عن عدة محاكم غير قابلة للطعن تنسب لنفسها الاختصاص أو تنكره.

أما حالات تنازع الاختصاص فهما حالتان :

– تنازع للاختصاص إيجابي : مقتضاه أن تصدر عدة محاكم مقررات تقضي باختصاصها للبت في ذات القضية، وذلك كما لو رفعت دعوى أمام المحكمة التجارية بالرباط، وهي نفسها مرفوعة أما المحكمة الإدارية بالرباط، فتقضي الأولى باختصاصها بالنظر في القضية بعد أن قضت الثانية كذلك باختصاصها للنظر في ذات القضية. 

– تنازع للاختصاص سلبي : مقتضاه أن تصدر عدة محاکم مقررات تقضي بعدم اختصاصها للبت في ذات القضية، وذلك كما لو رفعت دعوى أمام المحكمة التجارية بمراكش، فتقضي بعدم اختصاصها للنظر في القضية وتحيلها على المحكمة الإدارية بمراكش، التي تصرح بدورها بعدم اختصاصها للنظر في ذات القضية.

ثانيا : الجهة المختصة للبت في تنازع الاختصاص

إذا كانت الجهة المختصة لفض تنازع الاختصاص بين المحاكم العادية هي محكمة الاستئناف أو محكمة النقض بحسب وجود محكمة أعلى مشتركة من عدمه، فإنه بالنسبة للمنازعات الإدارية ونظرا لخصوصيتها و ارتباط اختصاصها النوعي بالنظام العام، وكذلك لعدم وجود محكمة أعلى مشتركة بين المحاكم التجارية والإدارية غير محكمة النقض، فإن هذه الأخيرة هي المختصة للبت في هذا التنازع طبقا للمسطرة المنصوص عليها في الفصل 388 وما يليه من ق م م.

فيقدم تنازع الاختصاص للفصل فيه من طرف محكمة النقض وفق ما تم النص عليه في الفصل 362 وما يليه من ق م م، وإذا تبين للمحكمة عدم وجود هذا التنازع بأن اختل أحد الشرطين المذكوران أعلاه، فإنها تصدر مقررا معللا بالرفض، أما إن تبين لها غير ذلك فإنها تصدر قرارا باطلاع المدعى عليه داخل 10 أيام، ويجري التحقيق في القضية وفق النص المشار غليه سلفا وتخفض الآجال إلى النصف، وبعد انتهاء التحقيق تصدر محكمة النقض قرارها حسب كل حالة :

 فإذا كانت تنظر في تنازع للاختصاص السلبي، فإنها تبطل أحد القرارين غير الصحيح، وتحيل الملف على من له الحق في النظر، أما إن كانت تبت في تنازع للاختصاص الإيجابي، فإنها تبطل أحد القرارين غير الصحيح من دون إحالة عند الاقتضاء وفق ما نص عليه الفصل 390 من قانون المسطرة المدنية.

المطلب الثاني : الإشكالات العملية المترتبة عن تنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية.

سنحاول من خلال هذا المطلب محاولة تلمس بعض مظاهر تنازع الاختصاص بين المحاكم التجارية والمحاكم الإدارية من خلال كل من الحجز على الأصول التجارية في إطار تحصيل الديون العمومية (أولا)، والإشعار للغير الحائز في الديون المفتوحة بشأنها مساطر صعوبات المقاولة

أولا : الحجز على الأصول التجارية في إطار تحصيل الديون العمومية.

 نصت المادة 5 من قانون إحداث المحاكم التجارية على اختصاص المحاكم التجارية، وذكرت من بينها النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية، لكن إذا علمنا أيضا أن النزاعات المتعلقة بتحصيل الديون العمومية من اختصاص المحاكم الإدارية بصريح المادة 8 من القانون 41.90 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية. لكن ما المحكمة المختصة إذا ما بوشر الحجز على الأصل التجاري بمناسبة تحصيل الديون العمومية، فأي من المحكمتين تكون أولى بالنظر في النزاعات المترتبة عليه ؟ 

        في هذا الإطار تضاربت الآراء الفقهية والمقررات القضائية حول هذا الموضوع، فمحاكم الموضوع اعتبرت تارة أن النزاع يدخل في اختصاص المحاكم التجارية نظرا لأن القانون المحدث للمحاكم التجارية لاحق على القانون المحدث المحاكم الإدارية، ومن ثم فهو مخصص ومقدم عليه، فيما خالفتها محاكم أخرى حين قضت أنه ما دام الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية من النظام العام فإنه لا يمكن بأي وجه من الأوجه إسناد الاختصاص للمحاكم التجارية احتراما للنظام العام وما يترتب عليه من آثار، وهذا الأمر من المؤكد أن تصدر بشأنه العديد من المقررات التي تقضي إما بالاختصاص أو عدم الاختصاص كحالتين لتنازع الاختصاص.

ثانيا : الإشعار للغير الحائز في الديون المفتوحة بشأنها مساطر صعوبات المقاولة

إذا كان الإشعار للغير الحائز كوسيلة استثنائية للتحصيل الجبري نصت عليها المادة 100 وما يليها من مدونة تحصيل الديون العمومية، فإنه يدخل في اختصاص المحاكم الإدارية، لكن مساطر صعوبات المقاولة اختصاص حصري للمحاكم التجارية عملا بالمادة 11 من القانون 53.95 المحدث للمحاكم التجارية، لكن ما العمل إذا ما بوشر هذا الإجراء بصدد دیون مفتوحة بشأنها هذه المساطر، وهذا الأمر أيضا يشكل مرتعا لتنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية.

خــــــــــــــاتمة:

      ختاما، إن تنازع الاختصاص يشكل إحدى المساطر التي لم تأخذ حقها من الدراسة والتحليل، نظرا لطابعه المسطري المحض وقلة النصوص القانونية المؤطرة له وتناثرها، خاصة وان هذه النصوص وضعت في وقت لم تحدث فيه المحاكم المتخصصة.

لكن المطلع على مشروع قانون التنظيم القضائي وكذا مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية في المقتضيات التي نصا عليها فيما يرتبط بالاختصاص والتي أتت تنزيلا لتوصيات الميثاق الوطني للإصلاح منظومة العدالة ضمن الهدف الرابع المتعلق بالرفع من فعالية ونجاعة القضاء، فإنه يلاحظ أن المشرع حاول تدارك ما شاب النصوص سارية النفاذ الآن من نقص حينما نص في المادة 19 من مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية على أن المحكمة التي تبت في الدفع بعدم الاختصاص لأول مرة يعتبر حكمها قطعي وغير قابل لأي طعن، وتكون المحكمة المحالة عليها القضية ملزمة بالبت فيه بقوة القانون.

Source عبد الرحمان الباقوري:طالب بماستر القانون و الممارسة القضائية بكلية الحقوق السويسي بالرباط
Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...التفاصيل

موافق