تدابير الصحة والسلامة الجسدية و سلطات رئيس المؤسسة
المطلب الثاني : تدابير الصحة والسلامة الجسدية
تهدف هذه التدابير إلى توفير بيئة ملائمة للعمل للحفاظ على صحة الأجراء وسلامتهم الجسدية والصحية ، فالأجير داخل ورشة العمل معرض للإصابات الجسيمة والتي قد تسبب له إعاقة مدى حياته وقد تنهي حياته في بعض الأحيان ، كالسقوط من مكان مرتفع أو انهيار شيء ما عليه أو إصابته نتيجة حريق أو انفجار داخل أماكن العمل …
كل هذا دفع منظمة العمل الدولية إلى إصدار مجموعة من الاتفاقيات والتوصيات التي تتناول بيئة ، وإتباعا لذلك أصدرت مدونة الشغل في الباب الأول من القسم الرابع أحكاما عامة لحفظ صحة الأجراء وسلامتهم .
فأوجبت على المشغل أن يوفر بيئة سليمة للعمل في أماكن العمل، وأن يحرص على توفير المتطلبات اللازمة للحفاظ على صحة الأجراء .
الفقرة الأولى : تدابير السلامة داخل المؤسسة
يحرص المشغل على أن يجهز المؤسسة تجهيزا يضمن سلامة الأجراء ، وأن تتوفر مؤسسته على شروط الوقاية الصحية ، ومتطلبات السلامة للحفاظ على صحة الأجراء وخاصة فيما يتعلق بأجهزة الوقاية من الحرائق ، والإنارة والتدفئة ، والتهوية، والتحفيظ من الضجيج، وإنشاء المراحيض،ومستودع الملابس….
كما يجب أن تكون الآلات والمعدات والأدوات المستعملة في الشغل في حالة جيدة تقي الأجراء من كل خطر يهدد صحتهم وسلامتهم البدنية .
كل هذه التدابير يجب إلزاما اتخاذها لتلافي الإضرار بصحة وسلامة الأجراء ، وفي حالة الإهمال يتحمل المشغل مسؤوليته عن الحوادث التي تقع للأجراء
الفقرة الثانية : طب الشغل
أحدث المشرع مصالح طبية للشغل لدى المقاولات التي تشغل أكثر من 50 أجير ، أو بعض المؤسسات التي تتضمن مخاطر الإصابة بالأمراض المهنية ، وخطورة نوع الأعمال فيها .
يهدف المشرع من خلال تنظيم طب الشغل إلى الوقاية من الأخطار التي تهدد الأجراء في بيئة العمل ومراقبة وضعيتهم الصحية ، تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل ، تحديد الحد الأدنى من الوقت الذي يجب على الطبيب تكريسه للأجراء .
وتتحمل المقولة أو المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات مصاريف تنظيم المصلحة الطبية ومراقبتها وتتكفل بأداء الأجر المخصص لطبيب الشغل .
يسهر على سير المصالح الطبية للشغل ، طبيب أو أكثر يطلق عليهم أطباء الشغل ،ويجب عليهم أن يباشروا مهامهم بأنفسهم ، يجب أن يكون هؤلاء متخصصين في طب الشغل ومسجلين في جدول هيئة الأطباء ،ومرخص لهم بمزاولة الطب .
و يرتبط طبيب الشغل مع المؤسسة بعقد شغل تراعى فيه القواعد التي تقوم عليها أخلاقيات المهنة ،لذا عليه أن يؤدي مهمته بكل استقلال وحرية إزاء المشغل أو تجاه الأجراء وألا يراعي إلا الاعتبارات الخاصة بمهنته .
هكذا إذن تبقى المقاولات ملزمة بتوفرها على مصالح طبية للشغل حتى يخضع أجرائها للفحوصات الطبية اللازمة.
إلا أن دور طبيب الشغل لا يتوقف عند هذا الحد بل أصبح الطبيب مؤهل لاقتراح تدابير فردية ، كنقل الأجير من شغل يؤثر على صحته إلى شغل آخر يلائمه ، أو من مؤسسة إلى أخرى تابعة لها ،وعليه فإذا كان الأجير يعاني من حساسية الرطوبة وكان يشتغل بمؤسسة بمدينة طنجة ،يمكن نقله إلى فرع تابع لنفس المؤسسة الكائن بمدينة فاس مثلا .
وفي حالة ما إذا رفض المشغل ذلك ، فإن العون المكلف بتفتيش الشغل هو الذي يتولى ذلك طبعا بعد أخذ راي طبيب الشغل .
غير أنه يلاحظ في الواقع العملي أن الفحوصات الطبية لا تجرى حتى في المقاولات الكبرى ،وإن وجدت فنسبة ضئيلة.
كما أن هناك أماكن للشغل بعيدة كل البعد عن تطبيق التدابير المنصوص عليها في المدونة ، وذلك راجع بطبيعة الحال لضعف رقابة مفتش الشغل ، وعليه قد نجد مؤسسات لا تتوفر فيها أدنى شروط الصحة والسلامة ، كانعدام التهوية وقلة الإضاءة …
كما أن طبيب الشغل له دور استشاري بالنسبة للإدارة ورؤساء المصالح ، لاسيما فيما يتعلق بالحرص على تطبيق التدابير الواردة في المادة 321 من م.ش والمتمثلة في مراقبة شروط النظافة ،وجميع الأضرار التي تهدد صحتهم .
الفقرة الثالثة : مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية
عمل المشرع المغربي على إحداث مجلس الشغل والوقاية من المخاطر المهنية لدى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل ، مهمة هذا المجلس استشارية يعهد إليه بتقديم اقتراحات وآراء من أجل النهوض بمفتشية طب الشغل والمصالح الطبية للشغل ، وأيضا في كل ما يخص حفظ الصحة والسلامة المهنية والوقاية من حوادث الشغل والأمراض المهنية ومن خلال هذه المهام يتبين أن المجلس يعمل على نشر الوعي في مجال الصحة والسلامة.
المطلب الثالث : سلطات رئيس المؤسسة
رئيس المؤسسة هو مالك المؤسسة أو شخص آخر اختاره مالك المؤسسة ليمارس سلطة التوجيه والقيادة على الأجراء، وعليه يمارس المشغل سلطتين وهما السلطة التنظيمية والسلطة التأديبية.
الفقرة الأولى : السلطة التنظيمية لرئيس المؤسسة
سبق القول أن المشغل يمارس سلطة تنظيمية تتمثل في الرقابة والتوجيه للأجراء بناءا على علاقة التبعية التي تبدأ بمجرد إبرام عقد الشغل ، وعليه وبمقتضى هذا العقد يمارس رئيس المؤسسة سلطة الرقابة والتوجيه على من التزم بأداء العمل لفائدته ، فهو يمتلك الحرية في استخدام الأجراء الذين يسخرون كل إمكانياتهم لتلبية حاجيات العمل المطلوب منهم .
وعليه فالمشغل هو الذي يختار الأجراء وينظم فرق العمل وله سلطة في إعطاء الأوامر تجاه تنظيم المصالح بالمؤسسة، وبالتالي فهو يقوم بتوزيع الأعمال على الأجراء التابعين له ويحدد كيفية إنجاز العمل، ويمكنه أن يجري تعديلات لضمان استمرارية العمل، إلا أن سلطاته هنا تبقى محدودة بحدود القواعد الآمرة لقانون الشغل وكذلك محدودة بمقتضيات الاتفاقيات الجماعية والنظام الداخلي للمؤسسة.
لذلك ألزم المشرع رئيس المؤسسة بوضع نظام داخلي لتسيير مؤسسته ، وهو ينظم كل ما يتعلق بالشغل داخل المؤسسة ، كتحديد ساعة الدخول والخروج ،والعطل والتغيبات …
ويجب أن لا يخالف هذا النظام النمودج الذي حددته السلطة الحكومية في المادة 139 من م.ش ، كما يجب أن يخضع للنظام الداخلي للمؤسسة كل أجراء المؤسسة ، وهو ما أكده في المواد من 138 إلى 142 من م.ش .
ولكي يكون النظام الداخلي للمؤسسة ملزم للأجراء فإنه لابد من إعلانه ، وذلك بتعليقه في مكان العمل بحيث يسهل على الأجراء الاطلاع عليه أو يوزع عليهم .
الفقرة الثانية : السلطة التأديبية لرئيس المؤسسة
السلطة التأديبية التي منحها المشرع للمشغل يمارسها في حالة ارتكاب الأجير لخطأ غير جسيم ، وتمارس السلطة عن طريق تحديد الأخطاء ، و تحديد العقوبات المناسبة لها ، ثم مسطرة التأديب .
أولا : تحديد العقوبات التأديبية
حدد المشرع أنواع العقوبات التأديبية في المادة 37 من م.ش حيث نص على أنه ” يمكن للمشغل اتخاذ إحدى العقوبات التأديبية في حق الأجير لارتكابه خطأ غير جسيم وهي كالتالي:
– الإنذار
– التوبيخ
– التوبيخ الثاني ، أو التوقيف عن الشغل مدة لا تتعدى ثمانية أيام
– التوبيخ الثالث ، أو النقل إلى مصلحة ، أو مؤسسة أخرى عند الاقتضاء ، مع مراعاة مكان سكنى الأجير .
تطبق على العقوبتين الواردتين في الفقرتين 3 و4 من هذه المادة مقتضيات المادة 62 أدناه .”
ثانيا : مسطرة التأديب
لمسطرة التأديب أهمية خاصة لأن قواعدها هي التي تشكل الضمانات التي تحمي الأجير في مواجهة تعسف رئيس المؤسسة في استعمال سلطته التأديبية ، لذلك أقر المشرع مجموعة من الإجراءات يجب على وعليه يجب :
– أولا ، إبلاغ الأجير بالخطأ الذي ارتكبه ، ثم الاستماع إليه في مجلس يحضر فيه المشغل أو من ينوب عنه ، ومندوب الأجراء أو الممثل النقابي داخل أجل لا يتعدى 8 أيام .
– ثانيا ، تحرير محضر من قبل الإدارة يوقعه الطرفان وتسلم نسخة منه إلى الأجير
يسلم مقرر العقوبات التأديبية الواردة في المادة 37 من م.ش يدا بيد إلى الأجير مقابل وصل ، أو بواسطة رسالة مضمونة مع إشعار بالتوصل داخل أجل 48 ساعة من تاريخ اتخاذ المقرر .
– ثالثا ، توجيه نسخة من مقرر الفصل أو رسالة الاستقالة إلى العون المكلف بتفتيش الشغل ، ويجب أن يتضمن مقرر فصل الأجير الأسباب المبررة لاتخاذه ، وتاريخ الاستماع إليه ، مرفقا بالمحضر المحرر في الموضوع .
المشغل أن يحترمها أثناء إعمال سلطته التأديبية وإلا كان التأديب باطلا ،وقد أحال المشرع في اتباع اجراءات التأديب ،المنصوص عليها في المادة 62 من ق.ش ، وهو ما أكد عليه المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 37 من م.ش “…تطبق العقوبتين الواردتين في الفقرتين 3 و4 من هذه المادة 62 أدناه .”