مقدمـــــــة:
تعتبر مسطرة التقاضي في المغرب حجر الزاوية في تحقيق العدالة وضمان الحقوق للمواطنين، وفي ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة التي تشهدها المملكة، بات من الضروري تحديث القوانين التي تنظم هذه المسطرة لتتلاءم مع الواقع الجديد، و يأتي مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد في هذا السياق، حاملاً بين طياته مجموعة من الإصلاحات الهادفة إلى تبسيط الإجراءات وتسريع المساطر القضائية، بما يعزز من شفافية وعدالة النظام القانوني في المغرب، حيث أن هذه التعديلات ليست فقط استجابة لمظاهر الخلل التي كشفت عنها الممارسة القضائية، بل أيضا خطوة نحو تعزيز الفعالية القضائية وتسهيل ولوج المواطنين إلى العدالة بشكل أسرع وأكثر كفاءة.
إشكالية الموضوع:
إلى أي مدى تساهم التعديلات الواردة في مشروع قانون المسطرة المدنية في تحسين فعالية النظام القضائي المغربي، وكيف يمكن أن تُعزز من شفافية وعدالة الإجراءات القانونية بما يواكب التحديات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة؟
سيتم معالجة هذا الموضوع وفق التصميم المنهجي الأتي:
المطلب الأول: دور القاضي المدني وتوسيع صلاحياته في الإجراءات القضائية.
المطلب الثاني: التقاضي الإلكتروني وتحديث مساطر التنفيذ في القانون الجديد.
المطلب الأول: دور القاضي المدني وتوسيع صلاحياته في الإجراءات القضائية
تعتبر صلاحيات القاضي المدني حجر الزاوية في تحقيق العدالة القضائية،(الفقرة الأولى) وتأتي التعديلات الجديدة لتعزز من دوره الفعال في إدارة الدعوى واتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان سرعة وشفافية العملية القضائية(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تعزيز دور القاضي في تجهيز القضايا
من بين أبرز المستجدات التي جاء بها مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد، تفعيل دور القاضي المدني في تجهيز القضايا حيث يمنح هذا التعديل القاضي سلطة اتخاذ الإجراءات المناسبة لتحقيق الدعوى قبل الوصول إلى الحكم، مما يقلص من حالات الأحكام بعدم القبول ويحد من الهدر المسطري، و عليه فإن إشراك القاضي في تجهيز القضايا يعزز من فعالية المسطرة، حيث يمكن معالجة القضايا بطريقة أسرع وأكثر شفافية.
الفقرة الثانية: تقليص حالات رفض الدعوى وتسريع الإجراءات
يهدف المشروع أيضًا إلى تقليص حالات رفض الدعوى بسبب مسائل إجرائية بسيطة، مثل عدم القدرة على تحديد عنوان المدعى عليه، فبالاعتماد على البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية كمرجع أساسي للتبليغ، يمكن تجاوز الكثير من العراقيل التي كانت تؤدي إلى بطء في الإجراءات وإلى صدور أحكام بعدم القبول، حيث أن هذا الإجراء يمثل نقلة نوعية في تبسيط المساطر وتسريع وتيرة العدالة، حيث أن العنوان المعتمد في بطاقة التعريف الوطنية سيصبح هو الأساس بغض النظر عن موطن أو محل إقامة المدعى عليه.
المطلب الثاني: التقاضي الإلكتروني وتحديث مساطر التنفيذ في القانون الجديد
في ظل التحول الرقمي الذي يشهده العالم، بات من الضروري إدماج الوسائل الإلكترونية في العملية القضائية الفقرة الأولى) وقد جاء مشروع القانون الجديد بمستجدات هامة في هذا المجال، تهدف إلى تسهيل وتقليص زمن التقاضي وضمان الشفافية في التنفيذ(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: إدماج التقاضي الإلكتروني ورقمنة الإجراءات القضائية
يعد التقاضي الإلكتروني أحد أهم مستجدات مشروع القانون الجديد، حيث أصبح بإمكان المحاكم والمحامين والأطراف المتقاضين التعامل عبر منصات إلكترونية تتيح لهم تقديم الطلبات وتتبع مسار القضايا إلكترونيًا, و هذا الإجراء ليس فقط تسهيلاً للإجراءات، بل هو خطوة نحو تحديث الجهاز القضائي بشكل يواكب التحولات الرقمية العالمية.
الفقرة الثانية: تحديث مساطر التنفيذ القضائي واعتماد النشر الإلكتروني
يشمل مشروع القانون الجديد مستجدات مهمة فيما يخص مساطر التنفيذ، حيث تم التنصيص على إنشاء منصات إلكترونية للإعلان عن المزادات العلنية ونشر الإجراءات التنفيذية، كما أن هذا الإجراء يساهم في تعزيز الشفافية ويقلل من التلاعب أو التأخير في تنفيذ الأحكام، مما يزيد من ثقة المتقاضين في المنظومة القضائية.
خاتمة:
يأتي مشروع قانون المسطرة المدنية الجديد في المغرب ليواكب التحديات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة، من خلال إدخال مجموعة من الإصلاحات الهادفة إلى تبسيط الإجراءات وتسريع العدالة.
إن تفعيل دور القاضي المدني واعتماد التقاضي الإلكتروني يعتبران من بين الخطوات الجوهرية التي تساهم في تحسين فعالية النظام القضائي، كما أنه من المتوقع أن تساهم هذه التعديلات في تقليص الهدر المسطري وتعزيز الشفافية، مما ينعكس إيجابًا على ثقة المواطنين في العدالة، ويبقى السؤال مطروحًا حول مدى استعداد المحاكم والبنية التحتية لتطبيق هذه التعديلات بشكل سلس وفعال، وهو ما سيتطلب متابعة دؤوبة من الجهات المعنية لضمان تحقيق الأهداف المرجوة.