تعريف قاعدة التنازع أو قاعدة الإسناد (قراءة في المصطلح)

تعريف قاعدة التنازع أو قاعدة الإسناد

عالـم القانون27 فبراير 2022
تعريف قاعدة الإستاد أو التنازع

أولا – ضرورة التعريف وأهميته :

1- التعريف المقترح :

   لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا أنه لا يوجد تعريف محدد لقاعدة التنازع، بل إن الفقه يتحاشى إيراد هذا التعريف، مكتفيا من ناحية ببيان أن تلك القاعدة تنهض بمهمة فض أو حل تنازع القوانين، عن طريق الإرشاد إلى القانون الذي يحكم العلاقة ذات العنصر الأجنبي محل النزاع، ومن ناحية أخرى، بعرض أوصافها وخصائصها.

وهذا الاتجاه السلبي لا نستحسنه. فتعريف الشيء هو كشف لهويته، ومدخل إلى بيان معالمه. وإيمانا بذلك، يمكننا تعريف قاعدة التنازع بأنها «قاعدة قانونية وضعية، ذات طبيعة فنية، تسري على العلاقات الخاصة الدولية، فتصطفي أكثر القوانين مناسبة وملاءمة لتنظيم تلك العلاقات، حينما تتعدد القوانين ذات القابلية للتطبيق عليها».

   وهذا التعريف لا يكافؤه، أو يغني عنه، القول بأن قاعدة التنازع هي القاعدة التي تسند العلاقة إلى نظام قانوني معين، أو هي القاعدة التي تحدد القانون واجب التطبيق بالنسبة لعلاقة قانونية أو مركز قانوني يشتمل على عنصر أجنبي، أو هي التي تبين ليس الحل الموضوعي للنزاع، بل القانون الذي يمكن أن نجد ذلك الحل فيه، أو التي تقوم باختيار القانون الملائم إذا وقع تنازع بين القوانين بشأن علاقة قانونية ذات عنصر أجنبي، أوهي القاعدة التي تحدد، بالنظر إلى صياغتها المزدوجة، حالات تطبيق القانون الوطني وحالات تطبيق القانون الأجنبي أو التي يناط بها فض تداخل مجالات انطباق القوانين الموضوعية. |

2- أهمية التعريف :

     تبدو أهمية تعريف قاعدة التنازع من ناحيتين : الأولى، أنه يميز تلك القاعدة عن سائر قواعد قانون العلاقات الخاصة الدولية، أو القانون الدولي الخاص، حيث يظهر الطابع الفني لمضمونها المتمثل في أنها أداة: Instrumentum للإختيار أو للإصطفاء بين القوانين التي تتزاحم أو تدعى قابليتها لحكم العلاقة ذات العنصر الأجنبي، أي لا تقدم الحل الموضوعي للنزاع الذي يثار حول هذه الأخيرة، بل ترشد إلى القانون الذي يلتمس فيه ذلك الحل، وهذا على عكس باقي قواعد قانون العلاقات الخاصة الدولية.

الناحية الثانية، أن ذلك التعريف لازم لتمييز قاعدة التنازع، كمنهج لتنظيم العلاقات القانونية ذات العنصر الأجنبي، عن قواعد المناهج الأخرى، التي ظهرت على ساحة ذلك التنظيم، وصارت تنافس تلك القاعدة. وأوجه ذلك التمييز نلتمسه فيما يلي:

ثانيا. عناصر التعريف ودلالتها :

إبراز عناصر ودلالة التعريف :

إن قاعدة التنازع قاعدة قانونية Une regle de droit بالمعنى الصحيح، لها خصائصها العامة، ومكوناتها الفنية، أي عنصر الفرض وعنصر الحكم، أو الأثر القانوني على ما سوف نرى. وباعتبارها كذلك، فهي تنهض بوظيفة محددة داخل الفرع القانوني الذي تنتمي إليه، وهي تنظيم العلاقات الخاصة الدولية، على نحوفني معين، ويلتزم القاضي بتطبيقها وإلا ترتبت مسؤوليته القانونية.

ونشير هنا إلى أن عناصر تعريف قاعدة التنازع، تتكامل مع خصائص تلك القاعدة والتي سنعرضها لاحقا.

1- الطابع الوضعي :

       فهي قاعدة Une regle de droit، أي هي غالبا من وضع السلطة المختصة في كل دولة على حدة. وهذا يظهر بأن لكل دولة قواعد التنازع الخاصة بها، والتي قد تختلف، في قليل أو كثير، عن القواعد السارية أو النافذة في الدول الأخرى، وذلك لاختلاف المفهوم النسبي لفكرة العدالة من ناحية، ولتباين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لكل دولة، من ناحية أخرى.

    على أن نعت «الوضعية» لا يعني أن قواعد التنازع هي دائما من صنع أو وضع السلطة التشريعية، التي يناط بها مهمة وضع الأنظمة والقوانين، فقد تكون تلك القواعد من صنع القضاء، كما هو الحال في العديد من الدول، كفرنسا وإنجلترا وغيرهما. بل إن أغلبية قواعد تنازع القوانين قد نشأت، في الأصل، نشأة عرفية. كما أن ذلك النعت لا يعني كذلك أن كل قواعد التنازع هي من وضع السلطة المختصة في كل دولة. فهناك العديد من القواعد التي تجد مصدرها في الإتفاقيات الدولية المتعلقة بالقانون الدولي الخاص، من ذلك مثلا اتفاقية لاهاي المبرمة في 14 مارس 1978 حول القانون الواجب التطبيق على النيابة والتمثيل التجاري، واتفاقية لاهاي المبرمة في 2 أكتوبر 1973 حول القانون الواجب التطبيق على الالتزامات بالنفقة… ويقتصر نعت «الوضعية» على معنى الاعتراف بها وتبنيها من قبل النظم القانونية الوطنية للدول.

2- الطابع الفني Le caractere technique :

    أما الطابع الفني في قاعدة التنازع، والذي سنعرض له تفصيلا فيما بعد، فمقتضاه أن الحل الموضوعي للنزاع لا تقدمه تلك القاعدة، بل يقدمه القانون الوطني أو الأجنبي، الذي تحدده وتصطفية. فهي قاعدة Une regle mediate بين القاضي المختص والقانون الواجب التطبيق على العلاقة محل النزاع.

    ويجسد الطابع الفني كذلك أن قاعدة التنازع شي أداة «مفاضلة» Preferentia بين القوانين التي تتداعى إلى العلاقة القانونية ذات العنصر الأجنبي وأداة «إرشاد» إلى القانون الملائم. فعن طريقها يتم الموازنة والترجيح بين أسباب أحقية كل منها في حكم تلك العلاقة.

وتلك المفاضلة يفرضها أمران: الأول، أن قانون القاضي Lex Fori ليس هو الأفضل دائما في أحكامه، التي قد لا تتلاءم مع حاجيات المعاملات التي تتم عبر الحدود ، بالنظر إلى أنها موضوعة أصلا لتنظيم المعاملات الوطنية التي تتم داخل الحدود، والثاني، أن كافة قوانين العالم، بما فيها، من باب أولى، قوانين الدول التي تتصل بها العلاقة محل النزاع، لديها قدر من القابلية للتطبيق وتقديم حل موضوعي معين لتلك الأخيرة.

   ولأن قاعدة التنازع قاعدة «وسيطة» و«أداة» إرشاد ومفاضلة بين القوانين، فإن جانبا من الفقه يرى أن مشكلة التنازع، برمتها، إن هي إلا مشكلة اختيار Probleme d’option للقانون، من ذلك الفقه الأنجلو أمريكي الذي يطلق عليها Choice of law problem وهذا، ماوعاه الفقه الفرنسي الحديث بقوله إنه لا يوجد في الحقيقة تنازع بين القوانين، بل تردد Hesitation بين عدة حلول مطروحة، وينحصر دور قاعدة التنازع في رفع ذلك التردد بإختيار أحد تلك الحلول.

3- الطابع النوعي ونتائجه :

   يدل التعريف الذي أوردناه على الطابع أو النطاق النوعي لتطبيق قاعدة التنازع. فهذه الأخيرة لا تسري على مطلق العلاقات القانونية بين الأشخاص الخاصة، بل على نوع موصوف منها، أي العلاقات ذات العنصر الأجنبي، ولا شأن لها بالعلاقات الوطنية البحتة. فبخصوص تلك الأخيرة يكون لقانون القاضي اختصاصا استئثاریا مانعا، ولا محل بشأنها لمشكلة اختيار القانون التي أشرنا إليها.

فإذا توفر للعلاقة محل النزاع الطابع الدولي، بأن داخل العنصر الأجنبي أحد أركانها: الأشخاص والموضوع والواقعة المنشئة لها، على ما سوف نرى ترتبت نتیجتان :

الأولى سلبية، وهي امتناع القاضي، بداءة، عن تطبيق القواعد الموضوعية في قانونه الوطني على النزاع الخاص بتلك العلاقة.

الثانية إيجابية، وهي وجوب تطبيق قاعدة التنازع الوطنية الخاصة بالطائفة القانونية التي تدخل فيها العلاقة محل النزاع: طائفة مسائل الأسرة، أو العقود الدولية، المسؤولية المدنية، الأموال…

وكل نتيجة من هاتين النتيجتين تشكل التزاما Une obligation بالنسبة للقاضي، إذا خالفه أمكن تخطيئته والطعن فيما يتخذه من حكم.

4- الاختيار الموصوف للقانون

  ويبرز التعريف الذي أوردناه، أن قاعدة التنازع، إذا كانت «أداة» أو وسيلة “اختيار” أحد القوانين التي تبدي قابليتها لحكم العلاقة ذات العنصر الأجنبي، فهي لا تختار ذلك القانون بطريقة عشوائية، بل هو اختيار متأن مقصود، يبنى على عدة اعتبارات :

من ناحية، حماية المصالح الوطنية أولا، ويتمثل ذلك في إعطاء الأولوية في التطبيق للقواعد ذات التطبيق الضروري، التي يحتويها النظام القانوني الوطني. كما يتمثل في تبني ضوابط الاختيار Criteres de choix أو ضوابط الإسناد التي تحدد القانون الواجب التطبيق. فيتخذ عنصر الجنسية ضابطا لتحديد القانون الواجب التطبيق على علاقات الأحوال الشخصية، إذا كانت دولته مصدرة للسكان بغية بقاء مواطنيها مرتبطين بها، أو يتبنى ضابط الموطن إذا كانت دولته مستوردة للسكان، من أجل فرض سلطانها على الموجودين على إقليمها، تمهيدا لدمجهم في المجتمع الوطني. وفي الحالتين يصير القانون الوطني هو الواجب التطبيق أمام القاضي الوطني…

من ناحية، حماية المصالح الدولية وتيسير حركة الأفراد عبر الحدود، ونمو عمليات التجارة الدولية. ويتحقق ذلك، مثلا، في إعطاء الأفراد حرية تحديد القانون واجب التطبيق على عقودهم الدولية، أي اتخاذ الإرادة ضابطا في بناء قواعد التنازع الخاصة بالعقود الدولية. ونذكر أيضا تضمين قواعد التنازع ضوابط إسناد تخييرية Rattachements alternatifs تيسيرا على الأفراد في مجال المعاملات المالية، من ذلك مثلا قاعدة التنازع التي تخضع شكل التصرفات القانونية لقانون بلد الإبرام، أو الموطن المشترك، أو قانون الموضوع.

والقانون الذي يتم اختياره يبدو كذلك، بالنظر إلى قوة اتصاله بالعلاقة محل النزاع، أنسب القوانين وأصلحها للتنظيم الموضوعي لتلك العلاقة، وهنا تظهر قاعدة التنازع وكأنها تفصل في القيمة الذاتية للقوانين التي تتزاحم حول العلاقة، وتعترف للقانون الذي تختاره بقيمة تنكرها على باقي تلك القوانين.

5- قابلية القوانين المتزاحمة للتطبيق :

وأخيرا، يرشد تعريف قاعدة التنازع إلى أن مهمة الاصطفاء أو الاختيار المنوطة بها تبدو ملحة حينما تكون القوانين، ذات الصلة بالعلاقة محل النزاع، ذات قابلية لحكم Vocation a regir تلك العلاقة وفض النزاع حولها، سواء في قواعدها المتعلقة بالقانون الخاص أو بالقانون العام.

   وإذا كانت هناك بعض القواعد التي قد لا تتوفر لديها تلك القابلية في نظام قانوني معين، إلا أنه يمكن التأكيد بأن كل نظام قانوني يكون لديه قدر من القابلية لحكم العلاقات الخاصة الدولية، على ما سنبين فيما بعد.

   على أن القابلية لحكم العلاقة ذات العنصر الأجنبي لا تتوفر فقط في جانب القوانين الوضعية للدول. بل أيضا في القواعد الموضوعية ذات النشأة التلقائية Regles spontanées التي تنظم معاملات التجارة الدولية، أي التي تشكل ما يسمى بالقانون الموضوعي للتجارة الدولية Lex Mercatoria. ويمكن لقاعدة التنازع أن تختار ذلك القانون ليسري على العلاقات أو المعاملات ذات الطابع الدولي التي تدخل في مجال سريانها. وهذا ميدان جديد لعمل قاعدة التنازع، ووظيفة قانونية لها.

المصدر الدكتور:محمد الكشبور عن الأستاذ:أحمد عبد الكريم سلامة من كتابه"علم قاعدة التنازع و الإختيار بين التشريع" المنصورة 1996 من الصفحة 24 إلى الصفحة 32 بتصرف
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...التفاصيل

موافق