الفرع الأول: التكوين الطبيعي.
التكوين الطبيعي للمجرم:
ثانيا : نظرية دي تيليو (الاستعداد الإجرامي).
1-مضمون النظرية:
اتخذ دي تيليو من أبحاث ودراسات سيزاري لمبروزو منطلقا لتأسيس نظريته عن الاستعداد الإجرامي ساعيا إلى الإجابة عن السؤال المشهور: كيف يقدم البعض دون البعض الآخر على الجريمة رغم وحدة الظروف الاجتماعية التي يعيشون في ظلها؟ ثم حاول سبر أغوار شخصية المجرم بوصفها المصدر الأول للسلوك الإجرامي.
ذلك أن الجريمة في نظره ليست سوى سلوك فردي بيولوجي اجتماعي تحدث بسبب استجابة الدوافع الغريزية للمؤثرات الخارجية. ويمضي دي تيليو في شرح مضمون نظريته في كتاب له صدر في عام 1929 بعنوان “التكوين الإجرامي” قائلا: فكما يتمتع الإنسان بتكوين نفسي وتكوين عقلي، وتكوين عصبي يجعل له قابلية الإصابة بأمراض معينة كالسل والتهابات المسالك البولية وغيرها، يوجد أيضا تكوين إجرامي فإذا ما صادف هذا التكوين أو الاستعداد مؤثرا خارجيا يوقظه، انطلقت غرائز الفرد من عقالها دونما رادع يكبح جماحها فيقع الفرد في هاوية الجريمة.
ويؤكد دي تيليو بأن هذا الاستعداد الإجرامي لا يوجد لدى كل الأفراد في المجتمع، والدليل على ذلك أن العوامل المنبثقة من المحيط الاجتماعي لا تحدث الأثر ذاته بالنسبة للأفراد الآخرين الأسوياء. ولإيضاح الفكرة قال دي تيليو بأن الاستعداد الإجرامي من حيث التأثير يشبه المرض، فكما أن المرض يجري فعله في الجسم إذا لم يلق مقاومة لجراثيمه ومكروباته، فكذلك الجريمة يتوقف ارتكابها على ضعف قدرة الفرد على التكيف مع مقتضيات الحياة الاجتماعية نتيجة لخلل عضوي ونفسي يتمثل في الاستعداد الإجرامي.
ويمضي دي تيليو في شرح حقيقة حالة الاستعداد الإجرامي قائلا: إن أسباب عدم القابلية للتكيف مع البيئة الاجتماعية ترجع إلى نوعين من العوامل:
يرجع مصدر النوع الأول منها إلى النمو العاطفي المعيب في شخصية المجرم بسبب ظروف داخلية تتصل بطاقته الغريزية وما يصحب ذلك من عدم تقبل مثل هذا الشخص للقيم الاجتماعية المكتسبة والتوافق مع الأنماط الاجتماعية السائدة.
وترجع العوامل الأخرى إلى عيوب جسمانية ناجمة عن خلل وظيفي له صلة بإفرازات الغدد وخاصة منها الغدد الصماء. ومن شأن هذا النوع من العوامل أن يخلق شخصية سيكوباتية لا توجد لديها قابلية للتوافق مع المجتمع بأي حال.
وإذا ما اجتمع كلا النوعين من العوامل في شخص معين أمكن القول بأن هذا الشخص لديه استعداد إجرامي أو تكوين إجرامي. إلا أن هذا الاستعداد لا يكفي وحده لارتكاب السلوك الإجرامي، وإنما ينبغي أن يتفاعل مع بقية العوامل الخارجية التي نجد مصدرها في البيئة الاجتماعية.
2.أنواع الاستعداد الاجرامي :
يفرق دي تيليو بين نوعين من الاستعداد الإجرامي: استعداد إجرامي أصيل أو فطري واستعداد إجرامي عارض، ويتصف النوع الأول بالثبات والديمومة بسبب ثبات مصدره المتمثل في التكوين العضوي والنفسي والعصبي وكثيرا ما يؤدي هذا النوع من الاستعداد إلى ارتكاب أخطر الجرائم وكذلك العودة إلى ارتكابها. ويرجع النوع الثاني أساسا إلى عوامل شخصية وعوامل اجتماعية تضعف بسببها مقاومة الشخص لغرائزه ورغباته فيندفع عرضيا أو صدفة إلى ارتكاب الجريمة.
3. أصناف المجرمين.
صنف دي تيليو المجرمين إلى طائفتين تضم إحداهما المجرمين بالتكوين، وتضم الأخرى المجرمين العرضيين.
فئة المجرمين بالتكوين:
المجرم ذي النمو الناقص، وهو يتميز بخصائص اجتماعية ونفسية وخلقية تجعله أقرب إلى الإنسان المتوحش الذي ذكره لمبروزو.
المجرم ذي الاتجاه العصبي السيكوباتي وهو الذي يتميز بخلل واضح في جهازه العصبي يجعله شخصا سريع التأثر والانفعال، ويشتمل هذا الصنف على مرضى الصرع والهستيريا والنورستانيا.
والمجرم ذي الاتجاه السيكوباتي، وهو يتميز بخلل واضح في ملكاته الذهنية بحيث لا يصل إلى حد المرض العقلي أو الذهان. ويعاني هذا الشخص من قصور كبير في ملكتي النقد والاستنتاج، الأمر الذي يؤدي إلى سرعة الانسياق وراء بعض الأفكار المتسلطة التي تستحوذ على تفكيره وتؤدي إلى شدة الاعتداد بالذات، وأحيانا إلى الانطوائية أو التقلب النفساني أو إلى غير ذلك من الأمراض النفسية المرضية الأخرى.
المجرم ذي الاتجاه المختلط: فهو الذي يجمع بين خصائص وصفات أكثر من فئة واحدة من الفئات المتقدمة الذكر.
فئة المجرمين العرضيين:
المجرم العرضي هو كل إنسان تدفعه دوافع محركة للإجرام، خارجية بصفة أساسية وعوامل ذات قوة خاصة تضعف قدرته على التكيف مع الحياة الاجتماعية ومع مطالب القواعد الخلقية المقننة (التشريع الوضعي). وميز دي تيليو بين ثلاثة أنواع من المجرمين العرضيين هم:
المجرم العرضي الصرف: وهو الذي يرتكب عادة أفعالا قليلة الأهمية نتيجة دوافع وظروف استثنائية جدا، بل ربما لم يتوقعها وليس بمقدوره توقعها.
المجرم العرضي الشائع: الذي يمكن أن تكتشف لديه علائم النقص الخلقي تتفاوت في مدى وضوحها، وبالتالي يتوافر لديه ميل إلى ممارسة بعض صور من النشاط المضاد للجميع بوجه عام، وإلى ارتكاب جرائم أشد خطورة ضد المال. وهؤلاء يمكن بسهولة أن يقعوا في جرائم خطيرة وأن يتحولوا إلى مجرمين معتادين.
المجرم العرضي بسبب حالات انفعالية وعاطفية، وهي تحطم لديه الاتزان الروحي والخلقي المعتاد الذي يتجاوز حدودا معينة، والتي قد تعمل أيضا في صورة انفعالات أو عواطف ذات طابع فسيولوجي (متصل بوظائف الأعضاء)، وهنا يكتسي التكوين الفسيولوجي النفسي الفردي أهمية خاصة.
علم الإجرام المحاضرة الخامسة السداسي الخامس
المصدر
الأستاذ:هشام بوحوص