المطلب الثاني: النوع والعرق.
سنبدأ بدراسة عامل النوع (الفرع الأول)، ثم ننتقل إلى دراسة عامل العرق (الفرع الثاني).
الفرع الأول: النوع.
تكشف الإحصائيات الجنائية عن وجود اختلاف واضح بين إجرام الرجل وإجرام المرأة سواء من حيث كم أو نوع الإجرام.
من ناحية الكم: إجرام الرجل يفوق إجرام المرأة أيا كانت فترة القياس، تقدر حسب البعض عشرة أمثال إجرام المرأة، هذا الفارق يتوقف على عامل السن حيث تقل النسبة عندما تصل المرأة سن الأربعين كما تزيد في فترة الحروب، وأيضا عامل المكان، فالفارق يزيد في اليابان وفي الولايات المتحدة الأمريكية عنه في بلجيكا وإيطاليا.
من ناحية الكيف: تؤكد الإحصائيات أن هناك جرائم تكاد تكون حكرا على المرأة وحدها يمكن أن نسميها جرائم نسائية: الدعارة، قتل الوليد، تعريض الأطفال للخطر، الإجهاض وزنا الزوجية، والقتل بالتسمم.
كما يلاحظ إقدام المرأة على جرائم الذكاء والحيلة أكثر من احتياجها لمجهود عضلي: السرقة البسيطة من المحلات التجارية، الزنا، القوادة، النصب، خيانة الأمانة، الجرائم المخلة بالشرف والاعتبار. كما أن جرائم القتل المرتكبة من النساء يطبع تنفيذها طابع الحيلة كالقتل بالسم. في المقابل تقل كثيرا نسبة الجرائم عند النساء في مجال جرائم العنف كالضرب والجرح والسرقات المشددة والجرائم الضارة بالمصلحة العامة والتي تعتبر جرائم ذكورية.
أولا: اختلاف إجرام الرجل عن إجرام المرأة: فوارق ظاهرية خاضعة.
هناك تبريرات كثيرة منها ما هو بيولوجي، نفسي، أو اجتماعي. لكن هناك البعض من قال أن هذا الفارق هو ظاهري يرجع إلى أن الإجرام الرسمي للمرأة كما تكشف عنه الإحصائيات لا يتطابق البث مع العدد الفعلي لجرائمها: فالإحصائيات الرسمية كما يشير لمبروزو في مؤلفه “المرأة المجرمة والدعارة” لا تضم حالات البغاء التي تمارسها المرأة.
كما أن بغاء المرأة يعصمها من الوقوع في جرائم أخرى كالسرقة والنصب لما تذره هذه الآفة من عائد مالي لا يتحصل عليه الرجل إلا بالوسائل الغير المشروعة، فالبغاء هو البديل عن الإجرام عند المرأة أو هو تحويل للميول الإجرامية عند النساء.
لو فرض وأضيف هذا النوع من الإجرام إلى إجرام المرأة في الإحصائيات لتساوى إجرام المرأة مع إجرام الرجل وربما زاد عليه، وتؤكد هذه الحقيقة أن الدعارة فعل مباح في كثير من الدول مما يظهر أن نسبة الإجرام هي أقل عند المرأة مقارنة بالرجل في هذه الدول.
أيضا هناك الكثير من الإجرام الذي يرتكب من طرف النساء يتم في الخفاء كالإجهاض والزنا، فلا تظهر في الإحصائيات، بعكس إجرام الرجل حيث يصعب إخفاء الكثير من جرائمه فتظهر في الإحصائيات.
الإحصائيات إذن حسب لمبروزو لا تعبر عن الحجم الحقيقي لإجرام المرأة في المجتمع.
وأضاف هذا الاتجاه أن المرأة تقف وراء العديد من الجرائم التي يرتكبها الرجل لتصدق مقولة نابليون الشهيرة: إبحث عن المرأة، فالإحصائيات كشفت أن المرأة وراء 40% من الجرائم الخلقية، و20% من جرائم القتل، و10% من جرائم السرقة، فإذا أضيفت هذه النسب إلى الإجرام الذي ترتكبه المرأة لاختلفت النسبة كثيرا.
هناك أيضا اعتبارات عملية تحول دون النطق بالعقوبة في حق المرأة:
قد يحول تودد الرجل للمرأة من تقديمه شكوى اتجاهها إذا كان مجنيا عليه، أو يتحمل المسؤولية عنها إذا شاركها في الجريمة.
أيضا أجهزة العدالة الجنائية من شرطة ونيابة وقضاء تتساهل مع المرأة في إقامة الدعوى بدافع التستر والحفاظ على سمعتها.
ثانيا: تفسير صلة النوع بكم ونوع الإجرام.
1 – التفسير البيولوجي والنفسي:
انخفاض إجرام المرأة عن الرجل يرجع إلى أن المرأة تتميز بتكوين عضوي ونفسي يخالف تكوين الرجل:
-قوة المرأة البدنية أقل من قوة الرجل، وهذا ما يفسر عدم إقدامها على جرائم العنف والتواري وراء الجرائم البسيطة.
-التغيرات الفيزيولوجية التي تتعرض لها الأنثى بحكم تكوينها الطبيعي كالدورة الشهرية، الحمل، الولادة، النفاس، الرضاعة، كلها عوامل تؤثر على حالتها النفسية تأثيرا قد يدفعها إلى السقوط في سبيل الجريمة.
هذه التغيرات يصاحبها في العادة حدة في الميول الأنانية والعدوانية واضطرابات عصبية وتقلبات ميزاجية. ولعل أخطر التغيرات الفيزيولوجية تأثيرا على المرأة هي مرحلة بلوغ سن اليأس والتي قد يصاحبها اضطراب في الجهاز العصبي المركزي يزيد لديها نوبات القلق، الخوف، الاكتئاب والشذوذ الجنسي الغريزي. حيث كشفت إحصائيات في إنجلترا أن 41% من النساء المتهمات ارتكبن جرائمهن في فترة الحيض، وفي فرنسا 63% من النساء المتهمات في جرائم السرقة ارتكبن جرائمهن في فترة الحيض.
2-التفسير الاجتماعي.
مال البعض إلى تفسير هذا الاختلاف إلى المركز الاجتماعي لكل من الرجل والمرأة أو الدور الذي يلعبه كل منهما في المجتمع. يدعم ذلك اختلاف هذه النسبة من مجتمع لآخر ومن جماعة لأخرى، وأن النسبة تميل إلى التساوي كلما تقارب المركز الاجتماعي لكل منهما. وأيضا تتقارب النسبة في المدن مقارنة بالأرياف. وفي الدول المتقدمة مقارنة بالدول النامية، وفي المجتمعات الصناعية مقارنة بالمجتمعات الزراعية. أيضا في فترة الحروب تزيد نسبة إجرام المرأة لاضطرار المرأة للنزول إلى معترك الحياة والقيام بدور اجتماعي أكبر لانصراف الرجل للقتال.
كما أرجع البعض الآخر هذا الاختلاف بين إجرام المرأة والرجل إلى اختلاف طريقة التربية والتنشئة، حيث أن المرأة في مجتمعنا المغربي مكفولة في كافة احتياجاتها من الذكور، وتفرض التربية على البنات الخلق الحسن وهادئات الطبع، في حين تفرض على الصبيان أن يكونوا أشداء مثابرين متحملين للمسؤولية. والصبي يكون موضعا للتهكم كلما تماثل سلوكه مع سلوك البنات باعتباره مخنتا، وقواعد التربية تفرض على الأسرة القيام بدور وقائي اتجاه الفتاة.
والواقع أن اختلاف إجرام المرأة عن إجرام الرجل من حيث الكم والنوع لا يمكن تفسيره إلا في ضوء المنهج التكاملي، أي الجمع بين العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية، فكل منها يفسر جزءا من الحقيقة بحيث يصعب الفصل بينها:
فارتفاع جرائم معينة بين النساء من ناحية كالإجهاض وقتل الأطفال حديثي الولادة والزنا والدعارة وضعف مساهمة المرأة من ناحية أخرى في جرائم العنف، أمر لا يمكن تفسيره إلا في ضوء الاعتبارات البيولوجية والنفسية التي تميز المرأة عن الرجل. في حين أن قلة جرائم النصب وخيانة الأمانة بين النساء لا يمكن تعليله إلا بالركون للتفسير الاجتماعي الذي يكشف عن أن المرأة أقل احتكاكا من الرجل بمجال المعاملات والتجارة.
الفرع الثاني: العرق.
حاول البعض أمثال كنادي وسيلين وهيرش الربط بين الظاهرة الإجرامية وبين السلالة أو العرق. قائلين أن بعض الأعراق يرتفع لديها معدل الإجرام إذا ما قورنت بالأعراق الأخرى. حيث لاحظوا ارتفاع معدلات الجريمة بين طوائف السود والزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الذي يقل فيه هذا المعدل في الأقليات الأخرى من اليابانيين والصينيين.
وقد فسر هذا التفاوت (بونجر) من خلال دراسة التركيب الاجتماعي لتلك العراق، حيث لوحظ قوة وتماسك نظام العائلة لدى أقليات الشرق الآسيوية وصلابة التركيب الاجتماعي الذي يعيشون فيه إذا ما قورن هذا التركيب لدى الزنوج والأمريكيين.
تقييم النظرية العرقية:
لم يعد مقبولا في عصرنا الحاضر الربط بين الجريمة والعنصر، فلا يمكن للعنصر بذاته أن يشكل سببا للجريمة.
ما جرى من دراسات لم ينصب سوى على إجرام العنصر الزنجي، الأمر الذي يصعب معه تعميم النتائج التي قالت بها النظرية العرقية.
الدراسات أغفلت أن ارتفاع معدل الجريمة لدى الزنوج الأمريكيين قد يعود بالدرجة الأولى إلى عوامل اقتصادية وإلى نظام العدالة الجنائية في المجتمع الأمريكي.
*تتمثل العوامل الاقتصادية في:
-نسبة الفقر أكثر ارتفاعا بين السود عن مثيلتها لدى البيض.
-يجبرون لأسباب اقتصادية على العيش في أحياء سكنية يغلب عليها التفكك الاجتماعي .
*نظام العدالة الأمريكية:
-بعض الجرائم لا تتم المحاكمة بشأنها إلا إذا كان مرتكبها من السود.
-نشاط الشرطة يزداد في مناطق السود.
-القضاة عادة من البيض مما يجعل احتمالية التعسف قائمة.
-الدراسات كشفت أن جنس المجني عليه يعول عليه في المحاكم من الناحية الفعلية، فعقوبة الإعدام ينذر النطق بها إذا قتل زنجيا زنجيا آخر، بينما يحكم بها في جرائم أقل خطورة ارتكبها ضد واحد من البيض.
-المعاملة في السجون للزنجي أدنى من مثيلتها فيما يتعلق بالبيض.
كل هذا كان لابد أن يعبئ نفسية الزنوج في مواجهة البيض، وتصبح الجريمة هي المتنفس الوحيد لهؤلاء تعبيرا عن الغضب اتجاه أزمة العدالة الجنائية في الولايات المتحدة الأمريكية.
علم الإجـــــــــرام المحاضرة التاسعة محاضرات السداسي الخامس
المصدر
الأستاذ:هشام بوحوص