المدخل لدراسة القانون(السداسي الأول) المحاضرة الثانية

عالـم القانون29 نوفمبر 2021
المدخل لدراسة القانون(السداسي الأول) المحاضرة الثانية

علاقة القاعدة القانونية بالقواعد السلوكية الأخرى وصلتها بمختلف العلوم

المبحث الأول : القاعدة القانونية وعلاقتها ببعض القواعد السلوكية
المبحث الثاني : القاعدة القانونية وعلاقتها ببعض العلوم الاجتماعية والطبيعية
المبحث الأول : القاعدة القانونية وعلاقتها ببعض القواعد السلوكية
القاعدة القانونية لا تنفرد وحدها بتنظيم سلوك الفرد داخل الجماعة ، وإنما هناك قواعد أخرى تعمل على توجيه سلوك الفرد في علاقته بالمجتمع الذي ينتمي إليه ،وأهم هذه القواعد هي قواعد الدين وقواعد الأخلاق وقواعد العادات والتقاليد والمجاملات.
المطلب الأول : التمييز بين القواعد القانونية وقواعد الدين
قواعد الدين هي تلك القواعد التي يسود الاعتقاد بأنها منزلة من عند الله سبحانه وتعالى على رسله وأنبيائه من البشر ليبلغوها للناس للإيمان بها والعمل بأحكامها ،وقد عرف العلماء المسلمين الدين بأنه :وضع إلهي يرشد إلى الحق في الاعتقادات وإلى الخير في السلوك والمعاملات ،وفي تعريف آخر :الدين وضع إلهي سائق لذوي العقول السليمة باختيارهم إلى الصلاح في الحال والفلاح في المآل.
والدين بمفهومه الصحيح هو الإسلام الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،والقواعد التي جاء بها هذا الدين قواعد شاملة تنظم سلوك الناس البدني والروحي والفكري ، وهي تهتم بالحياة الدنيا والآخرة .
أولا : قــواعد العبادات
وتتعلق بعلاقة الفرد بخالقه وتتمثل في الشهادة، والصلاة، والزكاة، والحج والصوم. وهذا النوع من القواعد لا تتدخل فيه قواعد القانون إلا نادرا،
وتبقى قواعد العبادات قواعد سماوية ملزمة ويترتب على مخالفتها جزاء إلا هيا أخرويا.
ثــانيا : قــواعـد المعاملات
وهي قواعد تتعلق بعلاقة الفرد بغيره من الأفراد، وهي تنظم العلاقات ذات الصبغة المالية كالبيع والإيجار والرهن وغير ذلك ، كما تنظم علاقات الأسرة والميراث وغيرها من المعاملات …،وقواعد المعاملات هي قواعد تحتوي على جميع فروع القانون الوضعي ، غير أنه مع تشعب نواحي النشاطات الاجتماعية أصبحت قواعد القانون تتسع كثيرا عن قواعد المعاملات .
قواعد الدين أوسع دائرة من قواعد القانون ،لأنها تشمل علاقة الإنسان بربه وبغيره ،ويوجد بين القاعدة القانونية وقواعد الدين أوجه التشابه وأوجه الاختلاف .
وإذا كان هناك اتفاق بين القاعدة الدينية والقاعدة القانونية المتمثل في كونهما خطاب موجه للناس بقواعد ملزمة ومنظمة لسلوكهم فإن هناك اختلافا بين القاعدتين يتمثل في الفوارق المتمثلة في المصدر والنطاق والمكان والأشخاص والغاية والجزاء. وتكون واضحة إذا ضلت قواعد الدين بعيدة عن التطبيق، أما إذا تبناها المشرع وطبق أحكامها من خلال صياغتها في صورة قوانين وضعية فإنها تكتسب صفة القاعدة القانونية فتصبح لها نفس خصائصها ،وهذا ما يحدث في كثير من الدول الإسلامية كالمغرب، بالإضافة إلى أن المشرع الوضعي قد يتبنى صراحة قواعد الدين ويستمد منها أحكامه ،فتطبق الجزاءات الدينية تطبيقا ماديا محسوسا ،كالقواعد التي تحرم شرب الخمر والزنا والقتل والسرقة وغيرها،كما تنظم قواعد الدين المسائل المتعلقة بالأسرة كالزواج والطلاق والحضانة والنسب وغيرها والتي يطلق عليها قانون الأسرة.
المطلب الثاني : التمييز بين القواعد القانونية وقواعد المجاملات والتقاليد
تقوم قواعد القانون داخل مجتمع يعيش على تبادل المصالح والخدمات فيما بين أفراده ،وتوجد في المجتمع قواعد سلوك تواتر الناس على إتباعها بحيث تعتبر من تقاليد هذا المجتمع يحرص الناس على إتباعها في علاقاتهم أو في مظهرهم وملبسهم ،ومن ذلك أدبيات التهنئة في المناسبات السارة والمواساة والعزاء ،وآداب التصرف في الأماكن العمومية ،وآداب اللباس والتحية …الخ .
وهذه القواعد لم ينظمها القانون بل اعتاد الناس عليها في معاملاتهم اليومية وتوارثوها جيلا بعد جيل إلى أن تتغير مع تطور المجتمع إذا كانت تتنافى ومنطق العقل السليم .
وإذا كانت قواعد المجاملات والتقاليد تتفق مع القواعد القانونية في أنها تحكم سلوك الفرد داخل الجماعة فهي تختلف عنها في النقط التالية :
من حيث المصدر : فمصدر قواعد العادات هو الناس ودرجهم على إتباعها ، أما قواعد القانون فمصدرها هو التشريع وغيره من المصادر كما سنرى فيما بعد .
من حيث الإلزام :فقواعد العادات غير ملزمة يمكن للفرد أن يخالفها ،أما قواعد القانون فهي ملزمة لكل المخاطبين بها .
من حيث الجزاء: فالجزاء في مخالفة قواعد العادات والتقاليد يتمثل في استنكار الناس للسلوك المخالف ،بينما الجزاء في مخالفة قواعد القانون هو جزاء مادي تتولاه السلطة العامة في البلاد.
من حيث الغاية : إن غاية قواعد العادات هي حصول الود وتقوية روابط المحبة والقرابة وتطييب للخواطر بين أفراد المجتمع ،أما قواعد القانون فغايتها كما سبق القول هو توفير الأمن والاستقرار داخل المجتمع والتوفيق بين مصالح الناس .
المطلب الثالث : التمييز بين القاعدة القانونية والأخلاق
الأخلاق مجموعة من القواعد المثالية التي توصل إليها المجتمع لدعم الخير والحرص عليه ،وقمع الشر ومحاربته ،ومن الأخلاق بر الوالدين، الإحسان بالفقراء الوفاء بالعهد، تجنب الكذب ،عدم الاعتداء على الناس …الخ ،ويتعين على الأفراد الامتثال لها حتى ولو تعارضت مع رغباتهم ونزواتهم الفردية ،فالأخلاق هي أساس القانون .
وإذا كانت قواعد القانون تتفق مع قواعد الأخلاق في أن كلاهما يمثل قواعدا للسلوك تهدف إلى تنظيم العيش في الجماعة وتوفير الاستقرار والأمن ، كتحريم القتل وكافة صور الإيذاء البدني والأدبي ،والسرقة والوفاء بالالتزامات التعاقدية وغيرها من الأفعال المجرمة التي تعد إقرارا لما تقضي به الأخلاق ،وكذلك الأفعال المخلة بالحياء والآداب العامة ،وكذلك كل ما ينتج عن العلاقات الأسرية.
وتظل لقاعدة أخلاقية مادام أنها تتعلق بسلوك لا يمس إلا الفرد وحده ولا يؤثر على أفراد المجتمع الآخرين ، لكن إذا أصبح للسلوك تأثير على هؤلاء فإن القاعدة التي تنظمه تصبح قاعدة قانونية وأخلاقية في نفس الوقت ،فالأخلاق مثلا تأمر بمد يد المساعدة للغير الموجود في ضائقة ،لكن القانون لا يأمر بذلك عادة،فلا يتدخل ويأمر بتقديم المساعدة للغير إلا إذا كان عدم تقديمها سيؤدي إلى الإضرار بمصلحة عامة للمجتمع
غير أن هناك مسائل يدخلها القانون في اعتباره لا شأن للأخلاق بها كقواعد تنظيم المرور، والمخالفات المالية كالامتناع عن الضرائب ،ذلك أن الفاعل في هذه المخالفات لا يقصد الإضرار بالغير ،ولا يخرق أية مبادئ أخلاقية ،ومع ذلك يعاقب المخالف حتى لا يتزعزع النظام وحتى تتحقق المنفعة العامة
إن الأخلاق وإن كانت دائمة التأثير في القانون بغية تحقيق العدالة ،إلا أنه يجب عدم المبالغة في فهم هذا التأثر ،لأن القانون له غايات أخرى أكثر واقعية ،ومن ثم فإن هناك عوامل إضافية غير الأخلاق تدخل في تكوينه مثل الفلسفة السياسية والاجتماعية والظروف الاقتصادية المهيمنة على الجماعة ،واعتبارات الأمن والاستقرار
المبحث الثاني : القاعدة القانونية وعلاقتها ببعض العلوم الاجتماعية والطبيعية
ينظم القانون الروابط التي تنشأ بين الأفراد داخل المجتمع وبالتالي فهو يدخل ضمن العلوم الاجتماعية من جهة ،ومن جهة أخرى يتأثر في أداء وظيفته بباقي العلوم الاجتماعية والطبيعية المساعدة
المطلب الأول : علاقة القاعدة القانونية بالعلوم الاجتماعية
لإبراز صلة القاعدة القانونية بالعلوم الاجتماعية ينبغي التوقف عند: علم الاجتماع (أولا)، وعلم التاريخ (ثانيا)، وعلم الاقتصاد (ثالثا)، وعلم السياسة (رابعا)، والفلسفة (خامسا).
أولا : علم الاجتماع
هو علم يعنى بدراسة الأفراد والجماعات والمؤسسات التي تشكل المجتمع البشري ، ويشمل مجال الدراسة في علم الاجتماع ميدانا واسعا يضم كل جانب من جوانب الظروف الاجتماعية ،فعلماء الاجتماع يقومون بملاحظة وتسجيل طريقة اتصال الأفراد بعضهم ببعض والبيئة التي يعيشون فيها ،وهم يدرسون أيضا تكون الجماعات ، والأسباب الكامنة وراء الأشكال المختلفة للسلوك الاجتماعي ،وهكذا يهتم علم الاجتماع بالظواهر الاجتماعية في وجودها أو توقعها أو تحليل أسبابها وآثارها ،والتعرف على الميول الاجتماعية بما يمكن القانون من التعامل بفاعلية واقعية أو تقويمية وتوجيهية مع العلاقات الاجتماعية .
وقد تفرع عن علم الاجتماع العام علم الاجتماع القانوني ،وهو فرع يتخذ القانون مادة لبحوثه ودراساته ،وهو بذلك يعنى بدراسة ظواهر مجتمعية ذات طابع خاص ومتميز، وهي الظواهر القانونية والتي هي ظواهر مجتمعية بطبيعتها ، لأن القانون لا يوجد إلا من أجل المجتمع ولأجل ذلك فإن كل الظواهر القانونية هي ظواهر مجتمعية.
وإذا كان القانون يستعين بعلم الاجتماع لتحقيق أكبر قدر من التوافق بين أحكامه والميول السائدة في البيئة الاجتماعية ، فإنه من ناحية أخرى لا يخضع خضوعا مطلقا لهذه الميول ، بل إنه يتخذ موقف المقاومة لمظاهر الانحراف ،فيضع القواعد الكفيلة بتقويم هذا الانحراف مستهدفا بذلك مصالح الجماعة .
ثانيا : علم التاريخ
علم التاريخ من العلوم القديمة ويتفرع عنه علم تاريخ القانون ، والذي يعنى بتطور القاعدة القانونية في مجال معين وفي مجتمع معين وفي مرحلة معينة، ويرجع إليه الفقه والمهتمين بالقانون عند محاولة تأصيلهم للقاعدة القانونية ،ومعرفة المدارس والأنظمة القانونية السابقة ،والاستفادة من تجاربها ، والوقوف على المحطات التي مرت منها.
ثالثا : علم الاقتصاد
إذا كان علم الاقتصاد يدرس النشاط الاقتصادي في محاوره الأساسية من إنتاج وتوزيع واستهلاك داخل الدولة ، فإنه بذلك يرتبط بالقانون فيؤثر فيه ويتأثر به، ومن مظاهر تدخل القانون تنظيم الإنتاج ،وتوزيع السلع والاستهلاك .
ويتأثر القانون بحجم النشاط الاقتصادي ،فتطور هذا النشاط يؤدي حتما إلى تدخل القانون لمواجهته وتنظيمه .
رابعا : علم السياسة :
هو علم يلاحق التطورات والتجارب ونتائجها وانعكاسها على المجتمع ،وتظهر علاقة القانون بهذا العلم عند تنظيمه لعلاقات السلطة العامة وللحريات والحقوق والواجبات العامة .
كما يتأثر القانون بالتيارات السياسة التي يضع المشرع قوانينه أو يصدر القاضي أحكامه قي ظلها ،ففي الحالتين كثيرا ما تملي السياسة توجيهاتها وتستقطب القانون لخدمة أهدافها
خامسا : الفلسفة
الفلسفة كما عرفها أرسطو هي علم الأصول أو الكليات المتعلقة بالكون بأكمله ، وهي نوعان فلسفة نظرية : وهي تتناول موضوعين أساسيين هما الوجود والمعرفة ، ويدخل في هذا النوع فلسفة الأديان والتاريخ ونظرية المعرفة والمنطق وعلم النفس.
والفلسفة تشمل الفلسفة العملية، أو الفلسفة السلوكية، وتتناول العمل، ويدخل في هذا النوع فلسفة القانون وفلسفة الأخلاق، وتبحث فلسفة القانون في أصول القانون وأسسه العامة.
المطلب الثاني : علاقة القانون ببعض العلوم الطبيعية
للقانون علاقة وطيدة بالعلوم الطبيعية والناتجة عن التطور العلمي والتكنلوجي ،ومن بين هذه العلوم علم الوراثة ، حيث كان للتقدم العلمي في مجال تحليل الدم والبصمة الوراثية أثره في إثبات البنوة، كما أصبح من السهل تحديد شخصية الجاني في مجال الطب الشرعي، وذلك بالقدرة على التمييز بين مختلف بصمات الإنسان كبصمة الفك والشعر والصوت وغيرها من البصمات… ، وكان للتقدم العلمي أيضا في مجال الإخصاب أو ما يعرف بأطفال الأنابيب أثر في ضرورة تحديد ضوابطه التي تحفظ الأنساب وتصون الأعراض والحرمات .
أما فيما يخص اكتشاف الكمبيوتر والأجهزة الإلكترونية فقد كان له أثر في تحديد كيفية حماية هذه البرامج على المستوى المدني والجنائي ، وقد أدى اكتشاف الآلات الميكانيكية من سيارات ومصاعد أثر في تحديد مسؤولية حارسها عما تحدثه هذه الأشياء من أضرار.

Source الدكتور مرزوق أيت الحاج
Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules : من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...التفاصيل

موافق